يسبّب عداواتٍ شرسة بين الكتّاب والنقّاد..

كيف ينظر بعض الكتاب والنقّاد إلى أهمية النقد كنصٍّ يعطي قيمة مضافة إلى النص/الأصل؟ وهل يتفقون مع عبارة شائعة تقول: إن «الناقد كاتبٌ فاشل»؟, بمعنى أن الناقد يحاول الوصول إلى مرتبة الكاتب لكنه عاجزٌ عن فعل ما يفعله كاتب النص المنقود؟ وبماذا يختلف النقد عن الانطباع الذي تتركه مشاهدة مسرحية أو لوحةٍ تشكيلية أو قراءةٌ لنصٍّ إبداعيٍّ ما؟
«تشرين» استطلعت آراء بعض الكتّاب والباحثين فكان أنْ رأت الدكتورة سمر ديوب/عميد كلية الآداب في جامعة البعث:
«إن الأدب والنقد مرآتان متوازيتان- متقابلتان، لا تصحّ إحداهما من غير وجود الأخرى، فالنصّ الأدبيّ نصّ إبداعيّ، والنصّ النقديّ نصّ علميّ يعتمد على المصطلح، إنهما طرفان متضادان، وهذا التضاد مدعاة للتكامل، فالعلاقة بين الأدب والنقد علاقة توازٍ، وباجتماعهما نصل إلى التكامل.
إن النقد فنٌّ قد يصل إلى مستوى الإبداع، فيكشف أسرار الجمال والقبح، ويضيف الناقد إلى النص إبداعاً جديداً، ولا يقلل من قيمة الأدب حين ينقده، فالنصّ الأدبي مرآة، توازيها مرآة النقد، وأرى أن العلاقة تحيل إلى التكامل بين المتضادّين، فلا يستقيم العمل الأدبي من غير نقد يظهر نسقه المضمر، وعلاقته بنسقه الظاهر، كما يعمل على الكشف عن خصوصية الخطاب، وفرادة الإبداع.
وقد اتخذت العلاقة بين الأدب والنقد أشكالاً أربعة: فقد تكون علاقة تابعية؛ فالنقد لاحق للأدب، وقد تكون علاقة عكسية؛ فيسود النقدُ الأدبَ، وترتد في هذه الحال أزمة النقد إلى أزمة الأدب، وقد تكون علاقة منطقية؛ فموضوع النقد النصّ اللغوي، ثم يتعدّى ذلك إلى العالم الذي يعالجه النصّ الأدبي، وقد تكون علاقة توازٍ، فالنقد نصّ موازٍ للنص الأدبي؛ إذ يبدع الناقد في آلياته ولغته من غير أن يسطو على آليات الأديب.
أمّا الناقد المسرحي أنور محمد فيرى أن «النقد حتى العلمي منه, هو فعلٌ إبداعيّ, يُعزِّزُ (المعرفة) بالنص المنقود سواء كان جنساً أدبياً كالرواية أو المسرحية, أو فنياً كالموسيقا والرسم, أو حتى عِلمياً كالرياضيات والفيزياء. والناقد ليس هو ذاك المتدرِّبُ الهاوي الذي لم يستطع أن يرقى إلى مرتبة الكاتب المحترف, بل هو المثقَّف الذي يَتعصَّب للعقل, فلا جدب, ولا قحط, ولا احتراب. حيث يُنتجُ هويته, ويصنع تاريخه».
لكننا نتساءل: هل يختلف شكل النص النقدي ومضمونه مع اختلاف جنس صاحبه لجهة كونه رجلاً أو امرأة كما في التعامل مع «النصوص النسوية»؟
تجيبنا الدكتورة ديّوب (وهي الحاصلة على جائزة الدولة التشجيعية في مجال النقد والدراسات والترجمة لعام 2016): «لا جنس للأدب، وهذا ما تؤكده الكاتبة الفرنسية كريستيان روشفون بقولها «هل للأدب جنس؟ قد أجيب بثقة… كلا، ولكن هل لدينا التجربة نفسها، وهل نملك التكوينات العقلية نفسها والهواجس نفسها؟». إذا قلنا: إن هنالك نقداً لرواية المرأة, فهذا يعني أننا نجمع روائيات مختلفات في الرؤية والفكر والأسلوب والاتجاه. فثمة مدارس أدبية، ولا يوجد نقد خاص بالمرأة؛ لذلك يجب أن يُصنَّفُ نقدُ رواية المرأة أو الرجل في اتجاه من الاتجاهات النقدية يتم التعبير من خلاله عن رؤية في الحياة.
وقد ننظر إلى المصطلح من زاوية أخرى، فوجود مصطلح نقد خاص بأدب المرأة يعني وجود ثنائية ضدية مكونة من نقد خاص بالذكور ونقد خاص بالإناث. وإذا كانت هذه الثنائية ضدية فهي تعني النديّة. وهو أمر يرفع من قيمة إنتاج المرأة النقدي، ولا يعني الحط من قدره. وبعودة إلى لسان العرب نجد أن مادة ضدّ تعني خلاف الشيء وتعنيه في الآن نفسه. وبهذا المعنى يكون خطاب الضدية هو خطاب القرين ما يعني تثمين الأنوثة. فقد آن للمرأة أن تعبر من خلال النسق الكتابي عن رغبتها في الحرية، فلا تقبل أن يدمج ما تقدمه في اسم واحد هو أدب نسائي كمن يجمع طيوراً مختلفة الأشكال والألوان في قفص واحد إلا إذا فهم من منطلق الثنائية الضدية التي تعني الندية والتماثل. فليس للأدب جنس، وليس للمشاعر الإنسانية خريطة».
ولأن للنقد أشكاله ومدارسه وتنويعاته اللانهائية بحسب تنوّع الحياة نفسها وليس مقتصراً على النصّ الأدبيّ كان لا بدّ من أنّ نطعّم هذا الاستطلاع برأي الفنان التشكيلي محمد غنوم فهو ممن يقولون إن:«النقد ليس انتقاداً. وإنه قد يحمل في طياته انتقاداً ما لكنه في الأصل قراءةٌ للعمل الفني. والقراءة تعني هنا أن أدرس وأطّلع على الموضوع الذي أشاهده (لوحة، تمثال…) أن أقرأه وأتبيّنَ جوانبه تكويناً وأشكالاً ومضموناً وفكرةً وإضافة أو حذفاً وتقنيةً…إلخ. قد تقول: إن هذه العملية تتطلب متخصصاً في هذه الأمور. ليس بالضرورة ذلك لكن القراءة تتطلب الإحاطة بهذه الجوانب الجاذبة أو النابذة في العمل. أحياناً قد تكون القراءة تنحو باتجاه الانتقاد أي تبيان الجوانب السلبية من العمل. لكن من المفروض ألا يكون تجنيّاً على العمل الفني. إنما دراسة توضّح لماذا هذا الفنان أو المبدع أصاب في هذه الناحية أو نجح هنا وفشل هناك من دون تجريح في النقد.
ويكمل غنّوم قوله: «إذاً النقد هو اطلاع ودراسة ومعرفة بهذا العمل الفني مهما كان قديماً أو مع اختلاف جنس العمل الفني أو مبدعه (رجل, امرأة، طفل، رجل مسنّ) من أي بيئة كان أو لأي عرق بشريّ ينتمي. ويحصل أننا نشاهد ما هو شائع في بلادنا أن يحمل النقد وبشكل مباشر إظهاراً للجوانب السلبية في الأعمال الفنية وهذا ما يسبب عند معظم الفنانين تحاشياً للنقاد أو كرهاً لهم أو خوفاً من آرائهم وقد تنشب عداوات ومشادّات بينهم تستمر سنين طويلة. أقول لك هذا ليس استخفافاً بتلك الآراء النقدية التي قد تكون جارحة أو محقّة لكنها تثير بلبلة وشتائم وتسخيفاً من الطرفين لجهد الطرف الآخر, لكن كلما كشف النقد جوانب مخفية عن عين المشاهد كان أقرب إلى الموضوعية».
نسأله بكونه مدرّساً لمادة النقد في «ماجستير التأهيل والتخصص في العمارة الداخلية» عن أحقية الناس العاديين أو حتى الصحفيين في قول انطباعاتهم بعد مشاهدتهم معارض الفنّ التشكيلي فيجيب بصراحته المعهودة:
«اللوحة في أي معرض هي للناس والتذوّق مسألة شخصية. قد تلفتك لوحة وهي تقول لك: أنا أكثر إدهاشاً من بقية اللوحات. وقد يتلاشى هذا الانطباع فيما بعد أو قد تتأكد هذه الانطباعات. فلماذا لا نحترمها؟!. ومَنْ قال: إن النقد محرّمٌ على الناس العاديين؟ أليس الفن هو أصلاً موجه لهم قبل أن يكون للصفوة والنخبة كما يدّعي البعض من الفنانين الذين يريدون أن يستعرضوا أنفسهم وثقافتهم؟ وهل الثقافة هي في استخدام المصطلحات التي لا يفهمها القراء والناس غير المختصين؟! لكن على النقد ألا يجعل المبدع يتوقف عن إبداعه مهما قيل في حقّه من كلمات ثقيلة وجارحة من قبيل: هذا يخدش الحياء أو يتعارض مع بعض التعاليم الدينية. فهو –أي الناقد- بقدر ما يقرأ بموضوعية يمتلك أهمية موازية للعمل الفني وكلما قرأ بـ«شخصانية» وتقعّر ووضع مصطلحات فيها استعراض للغتة وثقافتة ابتعد عن الناس وأثار فجاجةً عندهم وعند الفنان على حد سواء. في محاضراتي أحاول أن أمنهج النقد حتى تكون هناك أسس ومقومات له. فمنه ما هو مؤسس على قواعد ومعايير للقيمة ومنه انطباعي مؤسس على الخيال والعاطفة… كل تلك المناهج/المدارس هي مهمة ولا يحق لي أن أصادرها أو أن أقصي أي رأي منها. مثلاً في «التربية الجمالية للأطفال» لا يحق لنا أن نملي عليهم أنَّ هذا هو «الجميل» وذاك ليس «جميلاً». نحن نضعهم على درب الفنّ. نهيئ لهم الظرف ونعلّمهم على الأدوات وعليهم هم أن يُكملوا فيما يروه «جميلاً».
ومع هذا الإجماع على ماهية ومعنى «النقد» ولزومياته وأهميته كنصٍّ إبداعيٍّ موازٍ للأصل مهما اختلف شكل النتاج موضوع البحث لعلنا نختتم بفكرة أنور محمّد عن عظمة الفعل النقدي, إذ إنه يعتقد أن: «النقدُ فعلُ خير والناقدُ ليس سمساراً يروِّجُ لفعل الشرِّ في النصوصِ الكتابية مهما كان جنسها, لأنَّه يمارسُ سلطةً تنقادُ إليها الروحُ لتسمو بالنصِّ المنقودِ فتحرِّكَ القلبْ. النقد ليس تعالياً على النص, كما يروِّج المتضررون من الناقد الذي يُفترَض أن يبني أحكامه النقدية على العِلم والمعرفة الفلسفية, وليس على شرح النص المنقود شرحاً إنشائياً, كما أنَّه ليس فعل هيمنةٍ إيديولوجية. الناقدُ مُفكِّرٌ ينزعُ التقديس عن النص بصفته خطاباً عقائدياً يرتدي ثوب الأدب والفن والثقافة؛ كي لا يُدجِّن ويُهجِّن الناس فيتحوَّلُ النصُّ إلى سلطةٍ تُنتجُ التسلطَ وتتنكَّرُ للحريَّة وتكرِّسُ؛ بل تجذِّرُ الكُرهَ والقهرَ الممارس على العقلْ».

The post يسبّب عداواتٍ شرسة بين الكتّاب والنقّاد.. appeared first on صحيفة تشرين.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the يسبّب عداواتٍ شرسة بين الكتّاب والنقّاد.. on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.