تثير «خيبانة» الفضول إن كانت تعني أن سوء الحظ صفة ملازمة لشخصية نصادفها أو نعرفها، وتثير الشّك أيضاً إن كانت عنواناً لعرض مسرحي، وفي كلتا الحالتين خيبة الأمل واردة سواء أكانت كلية أم جزئية، فقد يكون العرض مخيباً للأمل في مكان ما ومدهشاً في مكان آخر، لايمكننا الحكم عليه بالمجمل.
بموسيقا تقارب عالم السحر والشعوذة، ألفها سامر الفقير، وبمؤثرات صوتية، نفذها كلّ من براء سمكري وعبد الله قتال، تدخل «خيبانة ـ مريانا حداد» خشبة مسرح القباني بكلّ بشاعتها وجشعها وربما قوّتها، وتبدأ بتأنيب مكنستها السحرية على هرمها وتراجع خدماتها، ومقارنتها ببقية أدواتها السحرية الأخرى من الكرسي الذي يجعلها في حالة ضحك هستيرية إلى الكرة العجيبة وغيرها من الأدوات، وما إن تنتهي من حفلة التأنيب هذه، حتى تبدأ «خيبانة» بتلقي الاتصالات والطلبات وتعد بتلبيتها جميعاً، تعد مسؤولاً متورطاً بقضية فساد بأن تخرجه من القضية مثل «الشعرة من العجين»، وتقنع آخر بأن تعيد له حبيبته التي اتسع قلبها لكل شباب الحي، وطلبات أخرى يدفع أصحابها مقابل تحقيقها مبالغ مالية كبيرة، لكن الوعود تذهب مع الريح، والخلطات السحرية تفعل فعلها السلبي، وتبدأ الاتصالات من جديد لكن هذه المرة اتصالات تعنيف وتهديد ووعيد، عندها تبدأ «خيبانة» بنزع أقنعتها مصيبة تلو أخرى، وحزناً تلو آخر، وخيبات تلو خيبات، لتنطق «خيبانة» بالصدق أخيراً، فهي لو ملكت القدرة على تغيير الأقدار لغيرت قدرها وأكملت دراستها وتزوجت من تحب وعاشت حياة أفضل، وهذا تماماً ماقصده مخرج العرض ومؤلفه محمد قارصلي من كلمته التي كتبها على «البروشور»: في الحياة نكذب كثيراً وأكثر مانصدقه هو مانكذبه على أنفسنا.. «خيبانة» محاولة كذب فاشلة أتت إنقاذاً لروح حطمتها الحياة ومجريات مايحدث لنا ومعنا.. ثمّ تأتي لحظة وقوفنا مع ذاتنا حينها نكتشف فداحة جرم الكذب الذي ارتكبناه.
لايختلف نصُّ قارصلي كثيراً عن النصوص التي قدمت مؤخراً من مونودراما استرجاعية أو مايسمى الخطف خلفاً، فاجترار الفكرة هو الغالب عليها، لحظة آنية ومن ثم عودة بالذاكرة إلى الماضي والحنين إليه، أو ربما النحيب بسببه، لكن الأمر الذي اختلف فيه قارصلي هنا هو طريقة تقديم الفكرة، إذ دمج بين الواقع والخيال، ساعده في ذلك الديكور الذي صممه باسل جبلي ونفذته فنياً كارول مقدسي، ديكور ثابت ومختلف ومناسب للعرض استخدمته الممثلة بسهولة وتنقلت بينه برشاقة، فبالرغم من ظهورها المسرحي الأول لكنها بدت متزنة ومتمكنة من الشخصية التي صممت لها سهى العلي ملابس عدة وراكمتها فوق جسدها، لتبدأ بنزع الزي تلو الآخر مع تذكرها لمرحلة من مراحل حياتها، حياة يختصرها باسل جبلي أيضاً ويقدمها على «البروشور» برمزية قاسية وطيبة في آن معاً، إذ نرى يداً مشوهة الأصابع تحتضن أداة من أدوات السحر لكن الدخان المتصاعد منها ليس إلا فتاة حالمة، وفي الطرف الآخر منه نجد تلك اليد وهي تحمل بيتاً صغيراً يزين باحته رجل وامرأة ولعل هذا جل ماكانت تتمناه «خيبانة».
The post «خيبانة».. حين لاينفع الكذب في تغيير مجرى الحياة appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.