شخصيات مسلسل «مسافة أمان» أنموذجاً

المتأمل منذ سنوات عدة، للعديد من الأعمال الدرامية التلفزيونية السورية وغيرها، يلاحظ أن معظم تلك الشخصيات التي تشدنا خيوطها الدرامية، لا تزال تعاني مما تمكن تسميته بـ «البسترة الاجتماعية» فلا نشاهد لها أقرباء من الدرجة الأولى أو حتى أصدقاء! ما يعني فقدانها نسبة كبيرة من قدرتها على إقناعنا بأنها شخصيات من لحم ودم، ولا تعدو كونها حبراً على ورق، وهذه مشكلة كبيرة أن تظل شخصيات الدراما التلفزيونية مصابة بهذا العوز، رغم كل هذه السنوات من التراكم في الإنتاج، لأنها تسهم في عدم الإقناع، ولا نخفي أننا قد كتبنا عن هذه المسألة منذ سنوات، لكن لا ضير في طرحها مرة أخرى.
حصر لا قصر
ولأننا لا نريد أن نثقل عليكم بالقراءة، تناولنا مسلسل «مسافة أمان» على سبيل الحصر لا القصر، ونترك لكم محاولة استعادة ما شاهدتم من مسلسلات، أو ما تشاهدون، للتنبّه للبسترة التي تعانيها بعض شخصياتها، لكن قبل ذلك، نشير إلى أنه ليس من الضروري طبعاً أن نشاهد لكل شخصية رئيسة في هذا العمل أو ذاك، أقارب من الدرجة الأولى أو أصدقاء، لكن تغييبهم من دون مسوغات درامية يعد نقصاً حاداً في رسم وبناء تلك الشخصيات، بتنوع شرائحها الاجتماعية والاقتصادية، وتالياً هناك خلل فيما نشاهده من أحداث، إذ إن ما نلاحظ غيابه يؤثّر في سير الأحداث وعدم الإقناع، وهي مسؤولية الكاتب أولاً والمخرج ثانياً، وشركات الإنتاج ثالثاً.
أحداث غير مقنعة
نشير أولاً إلى أننا، وعلى الرغم من أننا تفاءلنا كثيراً في مقالة سابقة بمسلسل «مسافة أمان»، ومنذ بداية عرضه، للكاتبة إيمان سعيد، والمخرج المتميز الليث حجو، لما تملكه كاتبته من أدوات درامية جيدة، وأشرنا في المقالة لبعض خيوط المسلسل الدرامية، ولأن زميلة لنا أشارت أيضاً في مقالة خاصة بالمسلسل، بشكل مستفيض لما جاء فيه، فإننا سنعرض بعض الملاحظات، من دون عرض ما جاء فيه مجدداً، وهي ملاحظات قد تدفع من شاهده إلى إعادة النظر في النسيج الدرامي للمسلسل، وفيما طرحه، فما شاهدناه من أحداث سارت بشكل جيد وشائق، لكن بعضها، لم يكن مقنعاً أو منطقياً، كمقتل صاحب المكتب العقاري ( نزار أبو حجر) وتوجيه التهمة من دون تقديم أي دليل لـ (صبا / هيا مرعشلي) مع أن منطق ما حدث من محاولة اعتداء شقيقها مروان على المغدور، عندما حاول التقدّم لخطبة شقيقته، يقتضي توجيه التهمة له، إذ لا دليل على اتهماها بالقتل، ومن ثم كل ما بني على هذا الاتهام غير مقنع، كمساعدة عمها المحامي (جميل/ حسين عباس) الذي أجبرها لقاء ذلك على تقديم نفسها لمن له مصلحه معه لـ (ربيع حمدان/ علاء قاسم) أحد رموز الفساد، نشير إلى ذلك وإن ارتبطت به شرعياً، لكنها بذلك امتلكت المال وتوجهت لشراء (صالة العرض) الخاصة بشخصية نهاد، وليست أي صالة أخرى في دمشق، من دون تسويغ هذا التوجه، وامتلاكها الوثائق الموجودة ضمن لوحة أخفاها الفنان التشكيلي (يوسف/ قيس الشيخ نجيب) في الصالة.
ومن المسائل غير المقنعة أيضاً، لم نعرف من هو صديق يوسف وماذا يعمل حتى لديه وثائق صوتية وقائمة بأسماء عناصر من جهة متورطة بتهريب السلاح لعناصر إرهابية! اختفى بسببها فاحتفظ يوسف بالوثائق التي وصلت إلى يد صبا، فهل صاحب هذه الوثائق الذي خُطِفَ وقتل، لا أهل له، لم يسألوا عنه حتى صديقه يوسف، ولو بالهاتف؟! انطلاقاً من هذه الشخصية المبتورة اجتماعياً سنتأمل معاً في الشخصيات الرئيسة للمسلسل ولنلاحظ «البسترة الاجتماعية» التي عانتها.
غياب التسويغ الدرامي
للموسيقي (جرجس جبارة) ابنة واحدة (نور/ حلا رجب)، لكن ليس لديه قريب أو قريبة، والشرطي سعيد (وائل زيدان) الذي يزوره يناديه بالخال، رغم أنه ليس قريبه، وسعيد في الوقت نفسه صديق يوسف، ويعرف الشاب (كنان/ بلال الحموي)، كما هو صديق مروان! ونلاحظ هنا أن الموسيقي وابنته ليس لديهما أصدقاء، رغم أن الابنة خريجة جامعية! غياب ذلك لم تسوغه الكاتبة التي سوّغت غياب أهل (د. سلام / سلافة معمار) في أنها تزوجت من دون رضى أهلها ومن غير طائفتها، كما سوغت غياب أهل زوجها (نادر/ مأمون الفرخ) بالهجرة، ومع ذلك حضرت شقيقته (هيما إسماعيل) بعد خطفه وقتله، ثم سافرت، رغم عدم ضرورة ذلك درامياً. لكن لم تسوّغ لنا غياب قريبة لسلام، أو صديقة، رغم أنها طبيبة ومن عائلة ثرية!
وتفتقد (سراب/ كاريس بشار)، الأقارب وللصديقات، وكذلك زوجها (جلال/ جلال شموط)، وتالياً لا أقارب لابنتهما (روان/ لين غرة) التي ليس لها صديقات أيضاً رغم أنها طالبة معهد مسرحي، صديقها هو زميلها وحبيبها (أنس طيارة). وإن انتقلنا لجارتها (نهاد / ندين تحسين بك)، هي أيضاً بلا أقارب سوى والدتها المريضة (سوسن أبو عفار)، وبلا صديقات، رغم أنها مالكة (غاليري) ما يؤهلها لكي تكون لديها صديقات من الفنانات، لكن صديقها الوحيد يوسف!. وكذلك زوجها (حسام/ عبد المنعم عمايري)، رغم أنه صاحب دار نشر فلا أصدقاء و لا أقارب له، صديقه الوحيد ليس كاتباً بل المحامي (غيث/ وائل أبو غزالة) الذي هو صديق د. سلام، أو بالأحرى صديق زوجها!! هل هذا الاختصار بالشخصية هذه، كما شخصية الشرطي، الذي يعرف أربع شخصيات من المسلسل، تدخلٌ من شركة الإنتاج؟ إذ لم نسمع أن المحامي تحدث بقصة د. سلام وما حصل لزوجها أمام صديقه حسام! رغم أنها قصة يمكن تداولها بيســــر لأنهـــا ليســـت مســـألة شخصيــة. لكن وحدها عائلة (أم مروان/ وفاء موصلي) لها قريب، هو عم الأولاد المحامي جميل، وسوغت لنا الكاتبة عدم وجود أصدقاء لـ (مروان/ أيهم شعبان)، ولشقيقته (صبا/ هيا مرعشلي) بنزوحهم من حيّهم حيث كانوا يقطنون وهجرة أصدقاء وزملاء مروان، إذاً عدم وجود أصدقاء وأقارب لتلك الشخصيات جعلنا نشاهد ما جرى من أحداث وخيوط درامية، لم تكن مقنعة من جهة البناء الدرامي والإنساني، ولا تعدو كونها حبراً على ورق، لكن لو توافر لبعضها أصدقاء أو أقارب فهل ستتغير الأحداث؟ من المؤكد الإجابة: نعم والتفصيل في ذلك يطول.
ليس أخيراً
أمّا لماذا يقع الكاتب أو الكاتبة في هذا الخلل الدرامي؟ ربما لأن معظم كتابنا يكتبون للتلفزيون وفق طبيعة كتابة النص المسرحي (أو السينمائي) التي تتناول جزءاً زمنياً مكثّفاً من حياة الشخصيات، ولا ينتبهون إلى أن الدراما التلفزيونية تتناول حياة شخصياتها عبر مرحلة زمنية ليست بالقصيرة، بل قد تمتد سنوات طويلة، وهل هذا يعني أن كتّاب الدراما التلفزيونية يكتبون بتأثير ذاكرتهم البصرية المكونة من مشاهداتهم المسرحية والسينمائية، ولا علاقة لهم بواقع الحياة؟ أترك الإجابة أيضاً هنا إلى القارئ والمشاهد!.

The post شخصيات مسلسل «مسافة أمان» أنموذجاً appeared first on صحيفة تشرين.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the شخصيات مسلسل «مسافة أمان» أنموذجاً on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.