في جلسة حوارية اختلفت فيها الأعمار والفئات، تم طرح سؤال عن الصدمة النفسية، اللافت للانتباه أن معظم الإجابات، إلا ماقل وندر منها، صبت في اتجاه الحديث عن الاكتئاب، الوسواس القهري، الفوبيا، الانفصام، الهلوسة وغيرها من الأمراض النفسية الشائعة التي تختلف اختلافاً جذرياً عن الصدمات النفسية، فالصدمة- كما ذكرت اختصاصية العلاج النفسي الدكتورة مرسلينا حسن شعبان خلال لقاء خاص لـ«تشرين» تزامن مع اعتماد منظمة الصحة العالمية شهر حزيران 2019 شهراً للتوعية بالصدمة النفسية- هي عرض وليست مرضاً، وهي حدث مفاجئ يواجه الإنسان يكون أكبر من طاقته ومن قدرته على التحمل، ويمكن أن تأتي الصدمة بأشكال مختلفة كثيرة، وتسبب الأذى الجسدي والعاطفي والنفسي والروحي، وتختلف أنواعها وتأثيراتها من شخص إلى آخر، إذ يمكننا أن نرى في البيت الواحد أشخاصاً قد تعرضوا للظروف ذاتها، ولكن لكل منهم ردة فعله الخاصة به، فما الصدمة النفسية، أسبابها، مؤشراتها، مراحلها، وكيفية التعامل معها؟ أفكار وتساؤلات تجدون الإجابات عنها في السطور القادمة… فتابعونا
التوعية.. أمر إنساني عالمي
قبل الدخول في التفاصيل حاولنا التعرف على سبب تسمية شهر حزيران بشهر التوعية بالصدمة النفسية، فبينت الدكتورة مرسلينا حسن شعبان أن الأمر هو توجه تهدف منظمة الصحة العالمية من خلاله إلى لفت الأنظار إلى الصدمة النفسية وتسليط الضوء على حيثياتها من جهة، ونشر ثقافة العمل التطوعي لمساعدة المحتاجين في هذا المجال من جهة ثانية، فالصدمات تتداعى آثارها وتنعكس على الجوار، فعندما تكثر الكوارث في مكان أو بلد يكون المجتمع العالمي بمجمله مهدداً، ولذلك فإن التوعية هنا تصبح أمراً إنسانياً عالمياً، والعمل عليها يندرج تحت ما يسمى الثقافة العامة التي تدفعنا إلى معرفة كيفية الاستفادة من الزمن انطلاقاً من مبدأ «درهم وقاية خير من قنطار علاج» حتى لا تتحول المشكلة، مهما كانت حدتها وشدتها، إلى إعاقة نفسية دائمة.
مفهوم الصدمة
الصدمة جرح نفسي مخفي نازف للداخل، أخطر ما فيه الكبت، وهو حدث يعيشه الشخص ويعجز عن التعبير عنه بجمل وافية، ويعمل على تقسيم حياته قبل وبعد، وهذا أمر ليس واحداً عند كل الأشخاص… كلمات اختصرت فيها د. شعبان مفهوم الصدمة النفسية، مضيفة: للصدمات أثر صدمي يرتبط بالمناعة النفسية والجسدية وبتماسك الأنا عند كل شخص، أي إن هذه المناعة لها علاقة بنسبة نجاحات الفرد وبالمرحلة العمرية التي يمر فيها فقد أثبتت الدراسات أن الأطفال والمراهقين أكثر عرضة لتلقي الأحداث الكبيرة، وتكون آثارها سيئة عليهم مقارنة بغيرهم من الناضجين والمتمرسين في الحياة الذين اكتملت مفاهيمهم ولديهم مواردهم ومعارفهم، أضف إلى ذلك أن العائلة المستقرة تكون مقاومتها للصدمات أكثر من العائلة المفككة، كما أن غياب أحد الوالدين يُحدث خللاً في بناء الأنا وبناء الشخصية، وهنا يكون موضوع التوعية ضرورياً لكي يتعرف الشخص على كيفية مواجهة الأحداث الكبيرة واتقاء خطرها حتى لا تكون كارثية أو مهددة للحياة، فنحن نراهن بشكل دائم على أن تكون هذه الصدمات فعل نمو من جديد أي أن يتمكن الشخص من دمجها بمسيرة حياته على شكل خبرة تضاف إلى خبراته الحياتية.
اضطراب ما بعد الصدمة
وفي سؤال لها عن أسباب الصدمات أفادت د. مرسلينا أن تأثير الأحداث الصدمية يزداد خطورة إذا كانت الصدمة حادة كإصابة بليغة في الجسد من بتر أو تشوه، أو في حال فقد الأهل وتعرضهم للإهانة، في حال التعرض لإصابة خطيرة، عملية جراحية كبرى، أو مرض مُهدِد للحياة أو حتى تجربة حياتية كالامتحانات وغيرها من الأحداث التي تفاجئ الشخص وتستنفر الطاقة الحيوية داخله وتهدد الأمان الداخلي الخاص به، وتجعله يمر في مراحلها بدءاً من الدهشة والاستنفار مروراً بالإنكار وصولاً إلى الصراع بين القبول والرفض والتردد الذي يظهر في مراحل العلاج وهي خطوات تحتاج إلى متابعة من قبل معالج نفسي ليتمكن من جعل المريض يتأقلم مع الحياة من جديد.
وبالنسبة لمؤشرات الصدمة وكيفية تطورها شرحت د. حسن أن ردة الفعل الأولى على الأحداث الكثيرة لدى كل الناس تكون متشابهة ومقبولة في الساعات الأولى، فمثلاً عند وفاة عزيز أو نشوب حريق أو حدوث تفجير يصاب الناس بالهلع والخوف، وهو أمر وارد في البداية لأن المثيرات القوية تعمل على «خربطة» الجهاز العصبي المركزي، ولكن إذا استمر الموضوع أكثر من 48 ساعة وامتد أسبوعاً ولم يظهر تحسن على الشخص، وبقيت الأعراض من قلق وقلة في النوم وامتناع عن الطعام وغيرها شهراً، فإن هذه المؤشرات تقودنا إلى أن الشخص صار في الصدمة النفسية، وفي حال استمرت المؤشرات أكثر من ستة أشهر فهنا يدخل الشخص فيما يسمى «اضطراب ما بعد الصدمة»، وهو مزمن ويمكن أن تبقى أعراضه كامنة فترة تم تعود لتظهر من جديد.
استراتيجيات وآليات العلاج
وعن آليات العلاج لفتت إلى أن الصدمات النفسية لا تذهب مع الزمن فهو يكرسها وتتبعها بلادة انفعالية وشلل كامل بالقدرات ما يؤثر في الشخص وفي المحيطين به، والأمر المهم عند علاج الصدمة النفسية احترام الأحاسيس والمشاعر التي حلت بالشخص، وإتقان فن الحوار الذي يعد من أساسيات العلاج الجماعي لأن التعبير عن الألم أداة من أدوات تفريغ الحمولة المختزنة فهو يؤدي إلى الراحة من جهة والى اكتساب وعي آخر في التعامل مع الصدمة، وبالنسبة لي فأنا اعتمد استراتيجيات وتمارين مثل «برغم أن… مازال هناك ما يستحق الحياة»، والاستراتيجية الثانية «ماذا لو» أي التهيئة، وعن العلاج الدوائي قالت: العلاجان يجب أن يسيرا معاً ولكن العلاج النفسي هو الأهم وأكبر مؤشر في بلدنا، فلقد كان خريجو علم النفس فيما مضى من دون عمل أما اليوم فكل المنظمات تستعين بهم لأن الطبيب غير قادر على علاج الحالة وحده، فهناك علاقة إنسانية تحتاج إلى عمل نفسي يجب العمل عليها مع الاشخاص الذين تعرضوا لأحداث صدمية.
وفيما يتعلق باستراتيجيات العلاج وضحت د. حسن أن الشخص المصدوم بحاجة علاج تخصصي واستراتيجيات علاجية وعملاً منظماً من قبل متخصصين مؤهلين وليس دعماً نفسياً فقط، فالشخص الذي لا يتلقى دعماً وعلاجاً يمكن أن يعود إليه الأثر الذي كبته في أي وقت يتعرض فيه لأحداث مشابهة حيث يعود هذا المخزون من الذاكرة من جديد ويدخل ضمن الصدمات المتتالية التي تجعله عاجزاً عن استعادة حيويته الذهنية والانفعالية، وهنا تكون الخسارة على كل الصعد، فيكون أداؤه منخفضاً ويصبح منسحباً من الحياة، تفكيره جامد ولا مبالٍ، وهذه الخسارة للطاقات البشرية هي التي تدفع المنظمات الدولية لتوظيف الأموال ورصد التبرعات لإنقاذ البلاد والمجتمعات التي تحل فيها الكوارث وتكثر فيها الصدمات النفسية، وفي بلادنا وفي ظل الظروف التي مرت بنا لا بد من الاهتمام بموضوع التوعية بالصدمة النفسية ويفترض أن يتم عمل برامج توعوية وطنية بكل معنى الكلمة، صحيح أن هناك الكثير من العمل في مجال الدعم النفسي تم خلال سنوات الحرب ولكن من وجهة نظري بقي في حدوده الدنيا ولم يتناسب مع مستوى الأزمة، فالدعم النفسي ليس ترفيهاً أو تسلية أو تفريغاً للطاقة فحسب، بل يحتاج فريقاً متكاملاً ورؤية واضحة لتقييم حجم الأخطار والأذية عند كل شخص، لأن هذه الخصوصية الفردية أمر مهم في عملنا النفسي، مع التنويه بأن البلدان التي تتعرض لحروب يجب أن تعمل برامج لكل الأشخاص وليس فقط لمن كانوا في مناطق الخطر فقط، كبرنامج «سكر» الذي انطلق مع بداية شهر تموز بالتعاون مع مؤسسة جناح أزرق ويستهدف الأمهات والأطفال في دير الزور،حيث يعاني حوالي 1500 أسرة من أعراض الصدمات النفسية المختزنة بذاكرتهم والبرنامج سيتوجه لتحرير ذاكرتهم التي تحمل الخوف والألم الذي عاشوه تحت وطأة الظروف القسرية التي فرضتها عليهم الجماعات المسلحة أثناء فترة الحصار.
بدورها سهام رافع- مرشدة نفسية زادت على ذلك بالقول: إن الصدمات النفسية تؤثر- إلى حد كبير- في حياة المتضررين، فيتناوب المصابون بين محاولة تجنب ذكريات الإصابة النفسية وعواقبها إلى حد التفكك أو ما يشبه حالات الغيبوبة، وبين المباغتة بالهجوم المفاجئ للذكريات، وهو ما يسمى بالارتجاع، لافتة إلى أن 5,2 ملايين من البالغين أي ما نسبته (3,6٪) يعانون اضطرابات ما بعد الصدمة سنوياً.
بين الأمراض النفسية والصدمات النفسية
كثيراً ما يحدث خلط بين الأمراض النفسية والصدمات النفسية ولتوضيح الفرق بينهما يقول الاختصاصي النفسي عبد الرحمن دقو: إن المشكلة الناجمة عن أعراض ما بعد الصدمة النفسية تتصل بصعوبة التكيف والقدرة على متابعة الحياة بشكلها الطبيعي في أكثر من جانب من جوانب حياة الفرد المصدوم، كما تظهر في علاقته مع الأطر المحيطة به كالزوجة أو أفراد الأسرة أو في مهنته أو في تحصيله الدراسي، وتترافق هذه الرضوض النفسية أو المشكلات أحياناً بأعراض جسدية حسب شدة الصدمة وتأثيرها ولا يتدخل الطبيب النفسي في هذه الصدمات إلا في حالة ظهور أعراض نفسية وسلوكية تشكل خطراً على الشخص ذاته أو على من يحيط به أو من أجل توفير القدرة على التركيز والتفاعل مع الاختصاصي النفسي، في حين الأمراض النفسية هي تلك الحالات التي أثرت في بناء الشخصية ووظيفة الجهاز النفسي وأدائه كالهوس الحسي أو السمعي أو البصري والاختلاطات الفكرية والهذيان والفصام بأنواعه وغالباً ما يتم تشخيصها من قبل الطبيب النفسي ويعالجها إما فردياً أو في المشفى المختص حسب طبيعة الحالة ونوع المرض، وفي مثل هذه الحالات يتدخل الأهل وذوو المريض، مع ملاحظة أنه يمكن للمشكلات النفسية أن تتطور في بعض الحالات لتصبح أمراضاً نفسية من حيث تأثيرها في كيمياء الدماغ وآلية التفكير كالشخصية الارتيابية التي إذا لم تعالج فإنها تتحول إلى الأفعال القهرية التي تصل أحياناً إلى الأذى سواء بالانتحار ( أذى الذات) أو أذى الآخرين.
وفي مسالة التوعية بالصدمة النفسية ينوه الاختصاصي النفسي دقو بأنه لابد من إقامة الندوات بمشاركة عدة وزارت كوزارة الثقافة والإعلام والتربية عبر إدخال بحث الصدمات النفسية واضطرابات ما بعد الصدمة في مناهجنا لكونها حاجة وطنية تمثل هدفاً تربوياً عاماً، أضف إلى ذلك ضرورة تشكيل معهد وطني للصحة النفسية يعنى باضطرابات ما بعد الصدمة وكل ما يتصل بها، ويوجه إلى الهيئات التربوية في المدارس والجامعات التعليمية، وإلى الطلبة وذويهم، والأسر المضطربة بفعل صدمة ما، إضافة إلى الفعاليات الاجتماعية المختلفة والمتطوعين من الشبان والشابات ويكون القائمون على هذا المعهد من المتخصصين في الصحة النفسية أو أحد فروعها وكذلك علم النفس، ومن مهامه إعداد وتأهيل الاختصاصيين النفسيين من مرشدين ومعالجين وإقامة دورات تثقيفية للمعلمين والموجهين التربويين والدفاع المدني ومعالجة الحالات الفردية ضمن برامج علاج وإرشاد حسب الحالة والمواقع والخصوصية.
لم تكن مألوفة بالنسبة لهم
يعد الأطفال والمراهقون الحلقة الأضعف في زمن الكوارث والحروب ولمعرفة ما خلفته الأزمة في سورية من اضطرابات نفسية وانفعالية عليهم، يقول اختصاصي الدعم النفسي حسام سليمان الشحاذة: إن حرب الإرهاب على سورية تسببت بتهجير مجموعة كبيرة من الأسر ليستقروا في مراكز الإيواء، وظهرت جماعات إرهابية مُسلحة تتبنى أعمال العنف منهجاً للسيطرة، مُستهدفة المدنيين العُزَّل بالترويع والتهديد، من خلال تنفيذ عمليات التفجير والأحزمة الناسفة وتفخيخ السيارات، مُوقعين عشرات القتلى والجرحى، إذ شوهدت مناظر مُروعة لضحايا وأشلاء بشرية مُمزقة أو محترقة، وهناك من فقد أعزاء له (أب، أم، أخ، أخت، صديق، قريب..)، وهناك من استقرت شظايا في جسده ولا تزال تُجرى له عمليات جراحية مُعقدة، وهناك من كُتبت له النجاة وأصيب بإعاقة مكتسبة.. وجميع تلك الأحداث المروعة التي شهدها أبناؤنا من أطفالٍ ومراهقين، لم تكن مألوفة بالنسبة لهم، وتسببت بظهور عدة اضطرابات نفسية وانفعالية لديهم، أبرزها اضطراب شدة ما بعد الصدمة المعروف اختصاراً (PTSD)، والذي دُرس بشكل موسع في المناطق التي شهدت كوارث طبيعية (إعصار، زلزال، طوفان..) أو مصطنعة (حُروب، نزاعات مُسلحة، حوادث طرق..)؛ فالشكل المُزمن لهذا لاضطراب يظهر بوضوح لدى الأطفال والمراهقين الذين شهدوا أعمال عنفٍ وقتل، أو أصيبوا خلال الحرب، أو تعرضوا لأحداث مروعة، فعلى المستوى المعرفي يواجهون مشكلات في التركيز تُؤثر سلباً في التحصيل الدراسي وفي العمليات العقلية لديهم بسبب الذكريات المؤلمة للخبرة الصادمة، كما يعانون مزاجاً مُكتئباً، وسلبية، وعدم تلقائية الاستجابة، وقد يصبحون أكثر قسوةً وعُنفاً، وقد تتأثر علاقاتهم بالأقران والمجتمع المحيط، فيصبحون أكثر عُزلة، وجزئياً هم عُرضة لتطور أعراض نفسية/جسمية؛ كالذكريات المؤلمة واللاإرادية، أحلام اليقظة، الكوابيس الليلية، التبول اللاإرادي، اضطرابات النطق، ارتفاع ضغط الدم، التعرق الزائد، الخوف العُصابي والتجنب غير المسوغ لأشياء لا تثير مخاوف الأطفال الطبيعيين، فإذا كانت هناك مجموعة إرهابيين يرتدون ملابس سوداء اللون، فإن الطفل سيخاف من كل شخص يرتدي ملابس سوداء، إضافة إلى مشاعر اليأس والرعب التي قد تسبب ظهور بعض أنماط السلوك العدواني (اللفظي أو الجسدي) الموجه للذات أو للغير.
وفي رده على سؤال عن أهم تجارب الدعم النفسي الميدانية للإحاطة بتلك الاضطرابات النفسية والانفعالية، بيَّن الشحاذة أن كلاً من وزارة التربية ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ووزارة الصحة ووزارة التعليم العالي بذلت جهوداً حميدة لتدريب عدد لا بأس به من المرشدين النفسيين والاجتماعيين لتقديم خدمات الدعم النفسي والاجتماعي في المدارس ومراكز الإيواء؛ ولاسيما التدريب على تقنيات الإسعاف النفسي، والاحتضان الانفعالي لاستيعاب أي صدمة نفسية (تهجير، خطف، استشهاد أحد أفراد الأسرة أو جميعهم، فقدان أحد أعضاء الجسم، الاغتصاب..)، وتعزيز مكونات الصلابة النفسية، وتقنيات التفريغ الانفعالي والضبط الذاتي للسلوك اللاعقلاني (انتحار، التفكير بالانتحار، إيذاء الذات أو الآخرين، ترك المدرسة، التفكير بالعمل في سن مبكرة)، كما تم تدريب المرشدين النفسيين والاجتماعيين على تقنيات المناقشة والحوار الفردي والجماعي لمساعدة المريض للتعايش مع الحدث أو مجموعة الأحداث الصادمة التي خبرها، وبحث وسائل التكيف معها على المستويين الشخصي والاجتماعي.
هل نسير على الطريق الصحيح بعد تلك الصدمات؟
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه بقوة عند تناول موضوع الصدمات النفسية، بعد سنوات الحرب وما خلفته من تبعات وآثار: هل كانت الإجراءات المتخذة على المستوى الرسمي والأهلي فيما يتعلق بتأهيل الكوادر البشرية العاملة في مجال الدعم النفسي والاجتماعي تسير في الطريق الصحيح؟ وهنا يبين الشحاذة أن الإجراءات ما زالت متواضعة، ودون الطموحات، فالفترات الزمنية بين إقامة دورة لتأهيل الكوادر البشرية للعمل في هذا المجال متباعدة زمنياً، إضافة إلى تواضع التوعية الإعلامية، وعدم ربطها بحملات توعية كما هو الحال في حملات (مرض السرطان، شلل الأطفال، المخدرات، حملات التلقيح..)، ولابد من التعاون بين وسائل الإعلام والمرشدين النفسيين والمعالجين السلوكيين والأطباء النفسيين لشرح خدمات (الإسعاف النفسي، الصحة النفسية، كيفية التعامل مع المرض النفسي وأنواعه، الوصمة الاجتماعية السلبية المرتبطة باللجوء لخدمات الدعم النفسي..إلخ)، مع ضرورة تقييد عمل خبراء التنمية البشرية ومنعهم من إقامة دورات الدعم النفسي والاجتماعي، فهم غير مختصين، كما أكد الشحاذة أهمية تنظيم عمل المرشدين النفسيين والاجتماعيين، والسعي لدى الجهات المختصة لتأسيس نقابة أو رابطة لهم، تعرض همومهم ومشكلاتهم، وتنظم مهنتهم، وتسهل منحهم التراخيص، ووضع ضوابط قانونية وأخلاقية وإدارية لمزاولة المهنة، بعد التحقق من مؤهلاتهم العلمية وخبراتهم الميدانية، والتعاون مع المجتمع المحلي لتفعيل الخطاب الاجتماعي بأهمية خدمات الدعم النفسي والاجتماعي على مستوى التشخيص والعلاج، الذي يحترم عقل المريض ومشكلاته النفسية، ويبعده عن أوهام السحرة والمشعوذين..
كلام توافق مع رأي الدكتورة مرسلينا حسن شعبان التي أكدت ضرورة التخطيط الصحيح للعمل النفسي لكي يصبح جزءاً أساساً من برامج المدارس، مضيفة: هناك تقصير في الاهتمام بموضوع التوعية بالصدمة النفسية، ففي الجامعة لا توجد مقررات جديدة، وما حصل خلال سنوات الحرب فقط تدخل من المنظمات التي عملت على إقامة دورات مختصرة، وخرَّجت العديد من العاملين غير المؤهلين أكاديمياً وعملياً… وبالنسبة لكليات التربية فإنها لم تواكب الحدث بالشكل الأمثل، صحيح تم طرح الكثير من رسائل الماجستير ولكن ما يهمنا هو التدريب الفعلي والعمل العيادي والعلاجي، أضف إلى ذلك حتى الآن لا يوجد لدينا فرع للعلاج النفسي، هناك إرشاد نفسي وذلك بالطبع غير كافٍ، لتختم حديثها بالقول: لابد من تضافر جهود الوزارات المعنية لتطوير منهجيات وآليات عمل تتناسب مع حجم الأذية، الصدمة النفسية التي أصابت مجتمعنا خلال سنوات الحرب.
تصوير: طارق الحسنية
The post التوعيـة بالصدمـة النفسـية.. appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.