بعد كارثة «هيروشيما» التي أنهت الحرب العالمية الثانية في العام 1945 وبدأت مرحلة جديدة من تاريخ البشرية، نعتها المفكر الفرنسي – الجزائري «ألبير كامو» المتوفى في العام 1960م، بأنها مرحلة «القلق والخوف»، وبالطبع فإن إشارة «كامو» هذه كانت تقصد القادم من النصف الثاني للقرن العشرين، الذي سبقته مجموعة من التطورات العلمية التي صبغت كلّ قرن بصفة امتاز بها على حد تعبير كامو:(فالقرن السابع عشر هو قرن الرياضيات، والقرن الثامن عشر هو قرن العلوم الفيزيائية، والقرن التاسع عشر هو قرن العلوم البيولوجية)، وإن كنّا نشاطر «كامو» الرأي بنعته للقرن العشرين، فإننا نختلف معه بإطلاق صفة معينة على كلّ قرن سابق لهذا التاريخ، لكونها تخفي اتهاماً صريحاً للعلوم ومسيرة تطورها الحاملة أبداً هدف الارتقاء بالإنسان، وخاصة أن تلك العصور لم تخلُ أيامها من القلق والخوف ونزف الدم المحلي والإقليمي على مدار الساعة، أما إذا كان ما رمى إليه «كامو» هو أن تلك العلوم استُغلت لمصلحة المستكبرين الذين وإلى الآن يستغلون منجزاتها لمصلحة استمرار هيمنتهم وتعطشهم للدماء، فهذا عين الصواب الذي كان هدفاً لـ «كامو» من دون شك.. هذا الصواب الذي ينفي التهمة عن العلم والعقل الذي هو مصدره الأساس، لتلتصق التهمة بالمطلق ببعض المنظرين المعاصرين الذين يروجون أن أزمة القرن تكمن في تأليه العقل وتسيده على حاضر البشر.. هؤلاء المنظرون لا هدف لهم سوى إبقاء العلوم ماركة مسجلة لمصلحة أسيادهم المستكبرين، إضافة إلى استغلال الجانب الروحي للأضعف بتسخيره لمتابعة الصراعات الدموية الإقليمية والمحلية لمتابعة الحسابات البنكية والسياسية بالارتقاء بعيداً عن غاية الرفاه الذي يحققه العلم- العقل عند سيادته بالشكل الصحيح، والذي سوف يؤكد لكلٍّ منا أن المعادلة الفلسفية في الحاضر لن تتجاوز الإصرار على أن نكون باستقلالنا اقتصادياً وثقافياً ضمن المنجز الحضاري كشركاء فعليين، وهذا ما يهابه رعاة العقل الجدد، لأنهم بالمطلق يسعون إلى ألا نكون، وخاصة على الصعيد الثقافي، فهذا الجانب غير الخاضعة معادلاته ونتائجه لقانون الفيزياء والرياضيات لا يمكن عولمته بقرار سياسي، في الوقت ذاته فإن سيادة العقل – العلم سوف تعزز من القيم الثقافية الأحدث دائماً داخل أيّ مجتمع، هذه المعادلة بمجازها البيولوجي والنفسي هي من تربك مشروع الأمركة ومؤيديه ومنظريه ومموليه على الدوام، والحل الأسهل لهم في عصر الاتصالات السريعة هو في إيقاظ شيفرة هيروشيما بكلّ أبعادها الرمزية والعلمية في سريرة من يسعون لتسييد العقل والاستفادة بالشكل الصحيح من منجزاته العلمية.
The post شيفرة هيروشيما appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.