بدأت الحرب التجارية الأمريكية على الصين فعلياً بداية تموز 2018، بعد تطبيق واشنطن تعريفات جمركية محددة بحق المنتجات الصينية وصلت لـ34 مليار دولار، ودخلت المعركة نفقاً مظلماً بعد جولات عدة من المفاوضات دون التوصل لاتفاق.
ومنذ بداية المفاوضات، توقع العديد من المحللين صعوبة التوصل لاتفاق تجاري بين اقتصاد السوق الحرة، وسياسات دولة ذات اقتصاد ضخم متطور تكنولوجياً يدار بقواعد مختلفة.
وقرار ترامب بتصعيد المواجهة، تغذيه ثقة وهمية بقوة الاقتصاد الأمريكي من قبيل المقامرة الاقتصادية. ويختلف الاقتصاديون حول مدى إعاقة الحرب التجارية للنمو الاقتصادي، لكن معظمهم متفق على أن تكلفة التعريفة ستنتقل للشركات والمستهلكين في أمريكا بارتفاع جنوني للأسعار.
وأصبح واضحاً للصين وبشكل متزايد، بأن واشنطن لم تشن فقط حرباً جمركية، بل مصرة للدخول في حرب اقتصادية وعلى المدى الطويل. وتعمل الاختلافات الحالية لتحويل الحرب الجمركية لحرب عملة، ستنشر عدواها عالمياً، وعبر اقتصادات أخرى، بالتزامن مع تباطؤ الرأسمال العالمي، والاقتراب أكثر من الاستقرار المالي الجديد.
ومازالت الصين تتدخل بأسواق المال العالمية لمنع تأثر اقتصادها بتباطؤ الاقتصاد العالمي، ودعم عملتها المحلية، إضافة لوجود أصول بقيمة 1,3 تريليون دولار في الصين، معظمها من سندات الخزانة الأمريكية. وهذا سيبطئ من شراء ديون الخزينة الأمريكية. فإذا اشتدت حرب التعرفة الجمركية، ستبيع السندات الأمريكية بالدولار لأول مرة، والانخفاض بالمشتريات سيرفع أسعار الفائدة طويلة الأجل في أمريكا، وبالتالي قلب قيمة الدولار.
وسيسعى الصينيون لاتخاذ إجراءات أكثر حزماً إزاء الحرب التجارية الأمريكية، بدءاً من فرض عقبات متعددة تحول دون ملكية الشركات الأمريكية للعمليات في الصين، والقيود على (المعادن النادرة)، كمفتاح التكنولوجيا والإنتاج العسكري.
ويتم دفع الجانب الحقيقي للاقتصاد الأمريكي نحو التباطؤ، فبدأت الكثير من إدارات الأبحاث الاقتصادية والبنوك ورؤوس الأموال المالية الكبرى، بالتنبؤ بالركود. فقال تشاد باون الخبير التجاري في معهد بيترسون للاقتصاد العالمي: «يستخدم ترامب مفهوماً خاطئاً وخطيراً في لحظة حرجة للمواجهة، وستدفع الشركات والمستهلكون الأمريكيون الثمن».
فبدا واضحاً أن تباطؤ الاقتصاد الأمريكي، سيغير ديناميكية المفاوضات التجارية، وستزداد الحاجة لإبرام صفقة، وسيقتنع ترامب بضرورة وقف التصعيد، وإعلان انتصار وهمي قبل انتخابات 2020، ومن المؤكد أن الصفقة بالنسبة لترامب ليست صفقة أبداً، ولم تبرم قط، لكن يمكن فتحها متى اختار ذلك.
فخرق الاتفاق ممارسة معتادة للإدارة الأميركية، وخير مثال اتفاقية باريس للمناخ، والاتفاق النووي الإيراني, وهذا ما ينطبق اليوم مع الصين.
وتبقى العملية كلها مسألة توقيت، (خذ قطعتين من تفاحة المساومة، وعد لاحقاً للحصول على اللقمة الكبيرة). فمن الواضح أن حرب أمريكا الحالية، مجرد نقطة انطلاق في صراع ملحمي بين أميركا والصين، والتاريخ يشهد للأمريكيين بنزاعات سابقة، وسيثبت العقد القادم فترة خطيرة، مع تباطؤ الاقتصاد الرأسمالي العالمي، لإعادة هيكلة جديدة للرأسمالية العالمية.
عن «غلوبال ريسريش»
The post اقتصاد سياسي.. مقامرة اقتصادية أمريكية ومواجهة صينية مستقرة appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.