يجلس أحمد ذو العشر سنوات بين رفاقه في المدرسة، يأخذ زاوية خاصة به مكتفياً بالنظر إليهم وهم يلعبون، لا يدرك أحمد بشكل دقيق طريقتهم في اللعب أو الضحك، فهم بالنسبة له لا ينتمون إلى عالمه الذي نسجه منذ بداية عامه الثالث محاولاً التواصل مع العالم الخارجي الذي يرفضه البعض ويتقبله البعض الآخر، لكن كل بأسلوبه، فيشكل لديه صعوبة بالتواصل وإيصال فكرته كغيره من أقرانه.
تقول أم أحمد: بدأت ألاحظ الاختلاف عند ولدي منذ عامه الثالث فلم يكن ينتبه إلي أثناء مناداته باسمه، مكتفياً بالنظر إلي بشكل مطول، وعاماً بعد آخر أدركت أن أحمد لديه صعوبة في التواصل مع العالم الخارجي بشكل طبيعي، إذ تبين أن له طريقته في الكلام والضحك واللعب والطعام حتى بعد دخوله المدرسة، كان له أسلوب خاص في طريقة التعامل مع المعلومات وتلقيها من معلمته.
تتابع أم أحمد حكاية ولدها: في كل عام تواجهني مشكلة تسجيل ولدي في المدارس، ولكون وضعة خاصاً لجأت إلى المدارس الخاصة لكي يكون هناك اهتمام أكبر، فالمدارس الحكومية تغص بالطلاب، ما سينعكس سلباً على وضعه الذي لم يستطع أحد معرفة التعامل معه.. لا تخفي أم أحمد معاناتها أيضاً من المدارس الخاصة، فولدها الآن في الصف الرابع وغيّرت له أكثر من مدرسة، حيث تكون الحجة من قبلهم أن أحمد لديه طيف توحد، وهذا اختصاصه غير متوافر لديهم، ولا يستطيعون التعامل مع حالته.
وتروي أم أحمد كيف اختارت علاج ولدها بنفسها، لأن الأطباء لم يجمعوا على رأي بشأن حالته، فمنهم من قال متلازمة «اسبريجر» التي تصيب الذكور، ومنهم من قال صعوبة الإدراك والتواصل الحسي وفرط نشاط، وأخيراً طيف توحد يجعل الطفل منعزلاً عن كل ما هو غريب عنه، رافضاً ملامسة الواقع الخارجي الذي لا يشعره بالأمان، وعندما لجأت أم أحمد إلى المراكز الخاصة التي تعنى بتلك الحالات كانت المفاجأة بعدم وجود مراكز خاصة لأطفال طيف التوحد، حيث يتم جمع الأطفال من مختلف الحالات ويقومون بمعالجتهم بالطريقة ذاتها، وهذا الشيء غير مجد، ولن يأتي بأي نتيجة متسائلة عن بعض الأمور التي تحدث داخل تلك المراكز من دون معرفة الأهل بنتائجها، كإعطاء أحمد أنواعاً من الدواء تجعله خامل الحركة وعديم الإدراك طوال الوقت، ما اضطرها لسحبه من أحد المراكز ووضعه في مركز يهتم بمشكلات النطق وصعوبة التعلم مع علمها بأن ابنها بعيد عن هذه الحالة، فهو ذكي جداً في المدرسة لكن لا حول لها ولا قوة إلا بمتابعته والإشراف على حالته، رافضة في الوقت ذاته تصنيف حالة طفلها بأنه من ذوي الإعاقة لعدم وجود ما يثبت ذلك، متمنية على الجهات المعنية طرح ثقافة الفصل بين حالات الإعاقة، ومطالبة أيضاً بإنشاء مركز يهتم بحالات طيف التوحد، لأن علاجها ممكن وغير مستحيل، والمراكز الموجودة برغم كثرتها لكنها إلى الآن لم تفصل بين أطفال طيف التوحد والتوحد الكامل والإعاقات الدماغية الصعبة العلاج.
أمين عام المجلس المركزي للمعوقين خولة حنا أوضحت لـ«تشرين» أن الإعاقة تصنف إذا كانت حسية أو نفسية أو جسدية، لكن من دون تدخل جراحي، فهذا لا يعدّ إعاقة، أما عن طيف التوحد فتبين حنا أنه انطواء على النفس وعدم وجود مهارات اجتماعية، مبينة أنه أكثر الإعاقات صعوبة بسبب التفاوت الشديد بين مستوى المهارات المختلفة عند الأطفال، ما يجعل الأهل يقعون في حيرة من أمرهم، ويضعهم في مهمة صعبة، مؤكدة أنه توجد مراكز تعنى بتلك الحالات، لكن ليست كثيرة، كما أنه يوجد 111 جمعية مشهرة تعنى بمختلف أنواع الإعاقات على مستوى سورية منها تنمية فكرية –توحد- وجميعها تعمل تحت ظل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وأشارت حنا إلى أنه يجب التمييز بين عمل المجلس المركزي للإعاقة والمراكز الخاصة لكل حالة، فالمركز يعنى بشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة برسم السياسات العامة لتأهيل المعوقين، حيث تضع الخطط والبرامج اللازمة وتتابع تنفيذها، كما يتعاون المركز مع المنظمات العربية والإقليمية والدولية ذات الصلة بشؤون المعوقين.
مراكز خاصة لحالات طيف التوحد لخصوصيتها
المدير الفني لمركز صعوبات التعلم عند الأطفال سناء زعرور أوضحت أن المركز مختص بصعوبة التعلم واضطرابات النطق والمشكلات النفسية المرافقة لتلك الصعوبة، مبينة أن الأعمار المستهدفة من 3 وحتى 7 سنوات، حيث تكون مهمة المركز هي التخاطب مع هؤلاء الأطفال، مضيفة أن أطفال التوحد برامجهم مختصة وأدواتهم أيضاً كالتكامل الحسي، حيث تكون لديهم مراكز أكثر اختصاصية بحالاتهم فقط، مشيرة إلى أن طيف التوحد يختلف عن التوحد وعن «الاسبريجر»، حيث هناك منظمات تعنى بتلك الحالات بشكل خاص تقدم لهم خدمات واسعة بالإدراك الحسي والحركي والتواصل مع العالم الخارجي، إضافة إلى وجود مركز يقدم خدماته على شقين شق نمائي يهتم بتشتت الانتباه، وكذلك فرط النشاط، حيث يوجد اختصاص كامل وبرنامج أداء أكاديمي عند الأطفال، ويتم العمل على المهارات النمائية مؤكدة تحسن تلك الحالات بعد فترة زمنية وتطورها، حيث تكون الخطة من ثلاثة أشهر إلى سنة ونصف السنة، ثم يصبح تركيز الطفل وانتباهه طبيعيين.
لا صلاحيات ولا تراخيص
وما ذكرته والدة الطفل أحمد نفاه مدير الصحة النفسية في وزارة الصحة الدكتور رمضان محفوري بشأن استخدام العلاج الدوائي في المراكز للحالات التي تعنى بأطفال الاضطرابات النفسية ومنها التوحد وطيف التوحد واضطراب التعلم والنطق والمستخدم أيضا من قبل اختصاصيين نفسيين، وهذا ما حصل مع ولدها بالرغم من عدم شدة حالته المرضية.
وأوضح محفوري أن علاج الاضطرابات النفسية عند الأطفال يبدأ بالعلاج النفسي غير الدوائي من قبل معالجين نفسيين مؤهلين ومرخصين، نافياً أن تكون هناك صلاحية وتراخيص للاختصاصيين النفسيين بالعلاج الدوائي مؤكداً في الوقت ذاته أن المخول بالعلاج الدوائي هو الطبيب الاختصاصي بالطب النفسي، وهو الذي يقرر استخدام العلاج الدوائي حسب شدة الحالة، مشيراً إلى أن وزارة الصحة ليس من صلاحيتها إصدار التراخيص التي تخضع لشروط ومعايير معينة للمراكز التعليمية علما أنها تابعة لوزارات أخرى.
معايير محددة
لوزارة التربية دور مهم ومحوري في عملية دمج الأطفال الذين يعانون اضطرابات نفسية محددة، وهي عملية تكاملية تقوم بها الوزارة مع مختلف الجهات المعنية كوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والمراكز التابعة لها.
مديرة البحوث في وزارة التربية- سبيت سليمان أوضحت أن الوزارة تقوم بدمج التلاميذ وفق المعايير والأسس الوزارية لدمج التلاميذ ذوي الإعاقة في المدارس الدامجة بناء على تقييمهم وفق بطاقة معايير قبولهم، مشيرة إلى أن البطاقة تتضمن مقاييس القبول في عدة مجالات وهي: المجال الإدراكي– المجال اللغوي– البيانات الطبية للأطفال ذوي الإعاقة- الرأي الطبي- الرأي التربوي- المهارات الحياتية- ورأي اللجنة المختصة في تقييم قدرات التلميذ التعليمية، أما رئيس دائرة التربية الخاصة لميس عدرة فقد أكدت أن الوزارة تقوم بتدريب وتأهيل معلمي غرف المصادر على آليات التعامل مع التلاميذ ذوي الإعاقات المختلفة، ومن بينهم تلاميذ طيف التوحد كما يتم تدريبهم على مهارات تعديل السلوك وعلى برامج التدخل المبكر(بورتيج)، مضيفة أنه تم إعداد الدليل التدريبي لمعلمي غرف المصادر وتدريبهم على مهارات استخدام الدليل الذي يتضمن: مفهوم غرفة المصادر وكفايات المعلم في الغرفة وإحالة التلاميذ إلى غرفة المصادر والخطة التربوية الفردية، وتكييف المنهج في غرفة المصادر .
التوحد في ازدياد
الدكتور حسام ملحم- اختصاصي طب النفس يصنف الاضطرابات النفسية من خلال اختلافها وصعوبتها ومراحل تطورها، ويؤكد أن صعوبات التعلم تندرج تحت توصيفات مختلفة كعسر الكتابة والحساب، مشيراً إلى أن اضطراب صعوبات الفهم شاملة ومتعددة أما بالنسبة للتوحد، علمياً فيسمى اضطرابات طيف التوحد الكلاسيكي (كانر) وهناك نمط (ريت) الذي يصيب الإناث ونمط «اسبريجر» الذي يصيب الذكور، موضحاً أن هناك نمطاً تفككياً يصيب الطفل بعد عمر السنتين حيث يصيبه بشكل مفاجئ، أما نمط «اسبريجر» فهو مشكلة تتلخص بصعوبة تواصل الطفل عن طريق اللغة، وبغياب أي تعابير عن ردة الفعل، كما تترافق في بعض الأحيان مع تأخر عقلي فيصبح أي عمل يتم القيام به يشكل صعوبة كبيرة بالنسبة لهم عندها يصبح اسمها إعاقة، مضيفاً أن العلاج هو من جنس الحالة من خلال إخضاع الحالة للمعالجة من قبل الاختصاصين، ومن خلال جلسات مبكرة سلوكية معرفية. وشدد ملحم على ضرورة تجنب استخدام العلاج الدوائي إلا في الحالات الشديدة وهي محددة كتوحد (كانر).
The post ارتفاع حـالات مرض التوحّد خلال الحرب appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.