ما إن جلست معه بضع دقائق حتى بدأ يحدثني عن غلاء الأسعار و«فجع» التجار ثم (سلخني) محاضرة عن غياب الضمير والأخلاق في هذا الزمان وإن البضاعة ذاتها قد يفرق سعرها مئة ليرة في كل كيلو بين تاجر وآخر، ولكي يثبت لي ذلك أكد أنه قبل قليل اشترى كيلو الكرز من عند (س ) بـ500 ليرة وكيلو البطاطا بـ200 ليرة بينما البائع (ع ) يبيع النوعية ذاتها من الكرز بـ600 ليرة والبطاطا بـ300ليرة، فسألته على الفور: هل شكوته للتموين؟ فأجابني وعلامات التعجب واضحة على محياه: للتموين لا!! ثم كشف بكم يباع اليوم كيلو الكرز من أرضه أي من عند الفلاح وكم يساوي كيلو البطاطا أيضاً وتكلفة نقل كل كيلو منهما إلى سوق الهال وبكم قبانة وكم تبلغ تكلفته على تاجر المفرق، فأدهشني بمعلوماته هذه وسألته عن سر معلوماته فأردف أنها ليست بسر وأن كل هذه المعلومات موجودة على النت ومتداولة على المواقع الإلكترونية وعلى صفحات «الفيس بوك» وأنك بكبسة زر تستطيع أن تعرف سعر كيلو الرز اليوم في اليابان وكيلو السكر في الصين وأنه لم يعد هناك ما يخفى في هذه الأيام، فخطر لي أن أسأله إن كان قد اشتكى يوماً على أحدهم أو أياً كان، فقال لا، ثم سألته هل تعلم أن هناك رقم (واتس) مخصصاً للشكوى في تموين دمشق ولدى تموين الريف وأن هناك أرقام (واتس) للشكاوى في كل مديرية من مديريات التموين في جميع المحافظات ولا يكلف الأمر سوى كتابة بضع كلمات على الواتس عن فحوى الشكوى، فأجاب بـ«لا», ولا يريد أن يعرف هذا الرقم لأنه لا يريد أن يشتكي على أحد بحجة أنه لن يستفيد وأن أحداً لم يستفد منها، حاولت أن أقنعه بجدوى المحاولة فأيقنت أن نقاشي معه عقيم. حال صاحبنا هذا كحال الكثيرين الذين يتحدثون بشكل دائم مرة عن غلاء أسعار الخضر والفواكه ومرة عن غلاء أسعار الملابس وستجد بكل تأكيد من يحدثك منهم عن الصياغ وأسعار الذهب وأنه قد تفرق معك أكثر من 15 ألف ليرة عند بيعك قطعة ذهب واحدة لا يتجاوز وزنها 15 غراماً بين تاجر وآخر، لكنك قد تتفاجأ أن أحداً منهم لم يشتك يوماً على أيِّ كان من هؤلاء التجار المخالفين وليس في نيتهم حتى المحاولة لكنهم لن يترددوا في إلقاء اللائمة على التموين في ضبط الأسعار وفي معاقبة المخالفين من دون أن يتكلفوا أي عناء، بالطبع, لا يعني كلامنا هذا أنه لا توجد مخالفات ولا يعني أن هناك تقصيراً ما لدى بعض الجهات ولكن السؤال أيضاً: هل يقوم المواطن بدوره بالشكوى حفاظاً على حقه ومصلحته أم إنه يكتفي بالتذمر وإلقاء اللوم على الآخرين.
The post إلقاء اللوم على الآخرين appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.