بين التفكّك والتبعيّة

لم يعد يخفى على أحد من متابعي الشأن الدولي أن المملكة المتحدة تمر بأزمة ضاغطة سواء على الأحزاب السياسية أو المجتمع البريطاني وحتى الاتحاد الأوروبي.
فالبريطانيون يشعرون بالإجحاف من غلاء (الفاتورة) التي يدفعونها من جراء انضمامهم للاتحاد وتحمّل عبء الدول التي يسمونها «الكسولة» التي التحقت به بعد التسعينيات من القرن الماضي، وكان أغلبها من أوروبا الشرقية «الفقيرة» مقارنة بدول أوروبا الغربية.
آنذاك كانت لكل من دول الاتحاد الأوروبي «الشرقية والغربية» غاياته وأهدافه السياسية والاقتصادية المصلحية والمنفعية.
فالدول الغنية أصابها الغرور بأنها تستطيع النهوض بالدول الفقيرة اقتصادياً، وتالياً الاستفادة منها في إقامة تكتل كبير يستطيع منافسة الدول العظمى الموجودة قبلاً والصاعدة لاحقاً وتحطيم دول أخرى بسلبها حلفاءها أكثر من أربعين عاماً كالاتحاد السوفييتي السابق، ومحاصرة خليفته العظمى روسيا الاتحادية ومحاولة إلحاقها بالاتحاد أو تفكيكها، أما الدول الفقيرة فكانت مصلحتها تكمن في الاستفادة من الميزات الاقتصادية والاجتماعية لتحسين أوضاعها وتطوير بنيتها التحتية واكتساب القوة السياسية والعسكرية في مواجهة أعداء محتملين، كما حدث إبان الحرب العالمية الثانية.
اليوم، بريطانيا تنبّهت أكثر من غيرها من دول قاطرة الاتحاد الأوروبي أن تلك الحسابات لم تجد نفعاً، فلا هي استطاعت مع «فرنسا وألمانيا» النهوض بالدول «الكسولة» ولا استطاعت منافسة الدول العظمى فقررت الطبقة السياسية وحتى المجتمع البريطاني «المتعالي»، تخفيف الأعباء عن كاهله والانسحاب من هذا الاتحاد الخاسر والعاجز عن المواجهة ومجاراة الآخرين.
ولكن الخروج من عنق الزجاجة ليس كالدخول إليها، فبريطانيا اليوم أمام خيارين كلاهما مرّ، فإما التفكك نتيجة رفض شريحة كبيرة من البريطانيين مغادرة الاتحاد والتهديد بالانفصال عن المملكة المتحدة والالتحاق بأوروبا الموحدة كما هو حال إيرلندا الشمالية واسكتلندا، وإما التبعية للولايات المتحدة التي تبتزّ الحكومة البريطانية وتدفعها إلى الخروج من النسيج الأوروبي مقابل مساعدات مختلفة وعقد صفقات تجارة حرة معها.
وفي كل الأحوال، فإن أيّ خيار أمام بريطانيا سيلغي دورها التقليدي كدولة فاعلة في محيطها الأوروبي أو على الساحة الدولية، وتالياً هذه الدولة التي كانت يوماً لا تغيب الشمس عن مستعمراتها معرضة للتفكك, فلننتظر القادم.

The post بين التفكّك والتبعيّة appeared first on صحيفة تشرين.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the بين التفكّك والتبعيّة on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.