بعض الأفراد يشكلون معنى الجماعة، وربما فرد واحد يصبح روح مجتمعه بفعاليته بين ناسه وأهله، وهذا ينطبق على أحد الأطباء في حي شعبي دمشقي، عرفته منذ فترة طويلة، وتابعته وهو يعمل طبيباً متميزاً ومتفوقاً، وإنساناً منخرطاً في خدمة مجتمعه بإيمان وقناعة وصدق، وهو أنموذج لشريحة واسعة من الأطباء السوريين.
عندما تخرج في الجامعة، وبسبب تميزه العلمي، حصل على القبول في أرقى الجامعات الأميركية، لكنه لم يقبل السفر قائلاً: (لن أترك أمي وأبي..) وبدأ العمل في عيادته في حي الأمين (الشاغور) صباحاً ومساءً، وصار قبلة الفقراء من أهل الحي والقرى المحيطة بدمشق من جهة هذا الحي، وظل مستغرقاً في خدمة مرضاه، وتطوير مهاراته وعلومه بشكل شخصي، حتى تفوق على كثير من المختصين.
ولما بدأت الحرب الإرهابية على سورية، وبدأ الكثيرون بالسفر، سافر أطباء كثر، وعندما سألته عن سبب رفضه السفر، رد علي بثقة وإيمان (لن أترك بلدي وهي على هذه الحال).. وبرغم القذائف وحالة الحرب، استمر يعمل صباحاً ومساءً وطوال أيام الأسبوع في خدمة زبائنه وأولاد بلده بتفانٍ ونزاهة.
منذ أن بدأ العمل، وهو يتقاضى من زبائنه أجراً بسيطاً يناسب حالتهم المادية، ومع تقدم أيام الحرب، وتصاعد ضغط الحالة الاقتصادية، ومع إن معظم الأطباء رفعوا أجور المعاينة، لكنه بقي يتقاضى ألف ليرة كمعاينة وألفين إذا أجرى تخطيطاً للقلب، تصوروا يقدم خدمة طبية أفضل من المختصين ويتقاضى هذا الأجر الزهيد، وعندما سألته: لماذا لا يرفع أجره كما يفعل الآخرون رد علي (بيكفي الناس الحرب التي يعانونها.. أنا عم أشتغل لله ولأهلي وبلدي).
عندما توفي هذا الطبيب الشاب منذ شهور، ترك أهل المنطقة في حيرة وارتباك يبحثون عن أمثاله من الأطباء، إنه الطبيب (زياد زحيلي) الذي أرى أنه شكّل مثالاً لأطباء كثيرين لم يتركوا (أمهم وأباهم، لم يتركوا بلدهم)، واستمروا يؤكدون انتماءهم وإنسانيتهم ووطنيتهم.
The post أمي وأبي… بلدي!! appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.