تعزز قيمة الدّور وصدقية أحداثه

تعدّ الأزياء والملابس عنصرين من عناصر نجاح أي عمل درامي أو سينمائي أو مسرحي، ولأنها ترتبط بالحالة النفسية والشعورية والمجتمعية للشخصية والمادية والجمالية حتّى، كما إنّها تعدّ دليلاً على ترابط الأحداث وحبكها جيداً من قبل المخرج، فكثيراً ما لاحظ المشاهدون وكتب النّقاد خروج الشخصية من المنزل بسروال جينز وعودتها بآخر من قماش أو خروجها بشعر مجعد وعودتها بمسترسل، لأن الأزياء تستطيع محادثة المشاهد بصمت وإرسال الرسائل والأفكار له، وإيهامه أو إقناعه بالشخصية سواء أكانت منظمة أم فوضوية.
ولن نتحدّث كثيراً عمّا تختزنه الذّاكرة لأزياء وملابس شخصيات أدّاها ممثلون وممثلات سواء في أعمال ملحمية أو اجتماعية أو كوميدية أو تراجيدية التي ربما كانت سبباً دفع الكثيرين لمتابعة عمل من دون سواه، إنما سنتوقف عند هذه المهنة الصعبة والمهمة والجميلة التي لايمكن لعمل درامي أن يسير وينجح من دونها لأنها تعزز قيمة الدّور وصدقية أحداثه، وعلى الأغلب يتصدى لمهمة اختيار الزي محترفون في هذا الحقل، يقول مصمم الأزياء الإنكليزي «جيمس لافر 1899 1975»: إن مصمم الأزياء طالب يحدق في الرسم الزيتي المعبر عن الفترات التاريخية المتسلسلة وهو أيضاً معلّم يشرح أساليب ومهارات مهنة صناعة الملابس، ويمكننا القول إنّه أيضاً ممثل، فعليه أن يندمج خيالياً بدور كل شخصية في محاولة منه لفهم حاجات الأفراد والرغبات التي تدفعهم، وما هو نوع الملابس التي يميلون إلى ارتدائها، وأخيراً فصانع الملابس محب للمسرح ورسالته وكل ما يرتبط به من عناصر، وليس فقط رائحة الدهان الزيتي، بل أيضاً التوتر المثير الذي يشعر به ليلة افتتاح العرض المسرحي والصمت الكامل خلف الكواليس عند بدء العرض، وارتفاع رنة الضحك المنبعثة من صالة المتفرجين والتعب المصاحب للنصر عند الانتهاء من كل عمل تم إنجازه بشكل مثالي، فصانع الملابس يستخدم القلم والإبرة والخيط والمكواة والخيال والذوق والحب لإنجاز مفردة من لواحق العرض تسهم في إنجاحه بصورة مذهلة، والسؤال هنا: هل يقرأ مصمم الأزياء والملابس لأي عمل تلفزيوني أو سينمائي أو مسرحي نص العمل قبل البدء بمهمته أم يقرأ فقط وصف الشخصيات؟ وكم يحتاج من الوقت حتى يحدد مايناسب هذه الشخصية أو تلك؟ تجيب مصممة الأزياء رجاء مخلوف: بالتأكيد أقرأ السيناريو كاملاً، وأحياناً أقرؤه مرتين، وأكتب المعلومات الواردة فيه المتعلقة بالأزياء إذا كانت متوافرة، لكن الأمر الأكثر أهمية هو أنني أحاول فهم الشخصيات وعمل بناء متكامل للشخصية من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لأتمكّن من بناء تصوّر حول مايمكن للشخصية أن تلبس، فاللباس هو انعكاس البيئة والشخصية، أما الوقت الذي أستغرقه فحسب حجم العمل وحسب عملية البحث الذاتي التي أقوم بها، فعندما يكون الموضوع تاريخياً أستغرق وقتاً أطول قد يكون شهراً أو أقل بقليل، وحسب توافر المراجع المفيدة والبحث في ذاتي أيضاً لكي أوفّق بين رؤيتي الخاصّة والمعلومة المتوافرة في المرجع مثلاً.
بدوره، يقول مصمم الأزياء والفنان التّشكيلي أمين السيد: بالطبع أقرأ السيناريو بأكمله، لكي أستطيع الوصول إلى فهم أعمق للشّخصيات لأنّ التوصيف وحده أحياناً غير كافٍ لتوضيح مزاج الشخصية كما يجب وطبعاً مزاج العمل ككل، بعد القراءة يتم اللقاء مع المخرج لنتناقش حول كلّ شخصية، وجودها وعدد «اللبسات» التي ستحتاجها حسب الفترة الزمنية التي يفترضها النص، بالتنسيق أيضاً مع السكريبت، أما الشّخصيات الرّئيسة فيتم اللقاء مع الممثلين لنتفق على كل التّفاصيل.
لكن ماذا لو اعترض المخرج أو الممثل على التصميم وشعرا بأنه لا يناسب الشخصية، هل يصرّ المصمم على رأيه أم لا؟ يجيب السيد: هذا لايحصل كثيراً، لكن إن حصل فلا يكون اعتراضاً على التصميم في حدّ ذاته بل على خامة القماش من حيث راحة الممثل أو اللون مثلاً لا أكثر.
سؤال تجيب عنه أيضاً المخرجة المسرحية مجدولين حبيب، تقول: لا يمكن أن نصل إلى مرحلة يقدّم لي المصمم تصميماً لا يعجبني لأننا جلسنا وتناقشنا بالأفكار قبل تنفيذها وأخذت رسماً مسبقاً لها، وإن حصل بعد كل هذه الجلسات والنقاشات وقدّم لي شيئاً لم يعجبني قطعاً لن أتناقش معه، صراحةً سيرى وجهاً آخر لي لا يعرفه.
ولا تأخذ الأزياء والملابس على خشبة المسرح خصوصيتها من خصوصية المسرح فقط بل من الموضوع في حدّ ذاته أيضاً، توضّح حبيب: خصوصية الأزياء تأتي من طابع العمل هل هو كلاسيكي واقعي تاريخي أو ربما خيالي.. وبالسؤال عما إذا كانت تفضّل التعامل مع مصممين معروفين أو مع مصممين في بداية طريقهم المهني، تجيب حبيب: أحبّ التعامل مع مصممين معروفين، وليست لدي مشكلة في التعامل مع مصممين جدد على العكس تماماً، أعتقد أنهم سيقدمون أجمل ما لديهم لإثبات أنفسهم لأنه عملهم الأول، فضلاً عن ذلك أعتقد أنه ستكون لديهم أفكار جديدة وغير مألوفة.
وكما للمسرح خصوصيته في هذا العنصر كذلك التلفزيون والسينما، والسؤال: هل يختلف تصميم الأزياء في السينما عنه في الدراما؟ تجيب مخلوف: أجل يختلف الأمر كثيراً، فالسّينما لها ذاكرة طويلة وعميقة لكونها فناً طويل الأمد، أمّا التلفزيون فذاكرته أقصر، إضافة إلى أن أي تفصيل يظهر على شاشة السينما في حين في إمكاننا أن نكون أقل دقة في الدراما، ومن الناحية الواقعية نحن ليس لدينا سينما بمعنى الصناعة لدينا مجموعة أفلام والعديد منها كان مهماً وصنعه موهوبون سوريون، لكن للصدق أنا تعلمت أبجديات المهنة في التلفزيون لأنّه أكثر تنوعاً والموضوعات أوسع، وهوامش الإبداع كانت كبيرة بالنسبة إلّي ولاسيّما أنّه صار صناعة تقريباً وانتبه المنتجون لأهمية العناصر الفنية الصانعة للعمل وتالياً أعطوها الأهمية الفنية والمالية لأنّ الموضوع التاريخي مثلاً يحتاج موازنة كبيرة، لكن في السينما عملنا على موضوعات إنسانية ومعاصرة، أما التحدي الأكبر لي فكان في التلفزيون وأنا عنيدة أسعى وأطمح دائماً للأفضل في عملي.
ويختصر أمين السيد هذا الاختلاف بالقول: إنه بسيط، في السّينما يتم الاعتناء أكثر بالتفاصيل الصغيرة للزي كذلك خامات الأقمشة وجودتها، إذ كلها تظهر بوضوح في السينما على عكس التلفزيون وذلك لاختلاف الشكل الإخراجي بين النوعين.
جهد وتعب ووقت وتفكير وإبداع نشاهده ونمدحه أو ننتقده أو نكيل الاتهامات، لكن هذا كله لا يشكّل شيئاً تجاه مصير إبداعه الذي على الأغلب ما يكون المستودعات، يقول السيد: مصير الملابس حتماً المستودعات ويستفاد منها في أعمال أخرى، بالتأكيد أشعر بالحزن على الجهد المبذول لعمل واحد ومن ثم يتم استخدامها لأعمال أخرى أحياناً من دون ذكر اسم المصمم الأصلي، إضافة إلى أنه قد يتمّ التعديل على التصميم وتشويهه في بعض الأحيان، وهذا الأمر يعود لشركات الإنتاج، إذ إنها صاحبة الملكية لهذه الأزياء ولها حق التصرف بها.
بدورها تضيف مخلوف: هذا يسبب لي وجعاً كبيراً فأنا مثلاً صممت أزياء كثيرة ربما بالآلاف، وحصلت على العديد من الجوائز عليها، لكن للأسف مصير هذه الأزياء، وهي قطع من قلبي وروحي، مجهول.. أحياناً تضعها الجهة المنتجة في مستودع وتهملها وربما تستخدم في عمل آخر إذا كانت مناسبة للموضوع، لو كان في إمكاني الاحتفاظ بها كلّها لأقمت معرضاً للأزياء الدرامية وهذه الفكرة في خاطري دائماً.

The post تعزز قيمة الدّور وصدقية أحداثه appeared first on صحيفة تشرين.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the تعزز قيمة الدّور وصدقية أحداثه on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.