اعتمد الكيان الصهيوني منذ تأسيسه على استراتيجية التفوق الحربي الشامل على أي قوة في الشرق الأوسط كله، وعلى قدرته على شن الحرب الاستباقية الخاطفة ضد أي دولة تهدد قوته هذه متى يشاء. وفي الوضع الراهن تراجع تفوقه الحربي إلى مرحلة أصبح فيها عاجزاً عن حرب استباقية وعاجزاً عن منع جبهة الشمال الممتدة من جنوب لبنان إلى حدود الجولان المحتل من تزايد قدراتها الحربية.
وهذه الحقيقة بدأ يؤكدها عدد من القادة العسكريين في الكيان الصهيوني وأولهم الجنرال المتقاعد منذ سنوات قليلة يتسحاق بريك الذي قاد كتيبة دروع وفرقة دروع وأصبح قائداً للكليات الحربية، فقد انتقد في 19 تشرين الجاري في موقع المجلة المتخصصة بالشؤون العسكرية والصادرة بالعبرية «خلق المعرفة» تقصير الجيش في الاستعداد لمتطلبات الحرب المحتملة من أطراف محور المقاومة من جبهة الشمال التي تزيد قدراتها الصاروخية والتكنولوجية العسكرية يوماً تلو آخر من دون أن يكون في مقدوره إيقافها، وهذا يعني أن ميزان القوى الإقليمية لم يعد فيه الكيان القوة المتفوقة مثلما لم يعد قادراً على الرد على هذا التحدي المستمر.
إلى جانب ذلك يعترف معظم قادة العدو الإسرائيلي بأن قوة الولايات المتحدة بدأت تتراجع في المنطقة، وآخر مظاهر تراجعها هو تخليها عن ميليشيا الأكراد في شمال شرق سورية بسبب تفضيلها تجنب مواجهة غير مضمونة النتائج مع سورية وايران وحلفائهما في تلك المنطقة، وهذا يعني عدم قدرة واشنطن على حماية حلفائها وخاصة بعد أن تجنب ترامب مجابهة عسكرية ضد إيران في الخليج. ولا شك في أن بوادر هذا التراجع الأمريكي في المنطقة تثير خوفاً شديداً لدى الكيان الصهيوني في ظل نظام عالمي تآكلت فيه قوة واشنطن أمام القوى الكبرى الأخرى الصاعدة من روسيا إلى الصين، وأصبحت الإدارة الأمريكية في ظل هذا الوضع الجديد لا تفضل الاصطدام الحربي المباشر مع هاتين القوتين في ظل تراجع قوة أوروبا أيضاً وهذا يعني أن «إسرائيل» عاجزة أيضاً عن مواجهة هذا التحدي الثاني وأصبحت مطالبة بتخفيض مستوى الاعتماد على القوة الأمريكية.
وأصبح من المؤكد أن تحمل هذه التطورات مضاعفاتها على أهم عامل يستند إليه الكيان الصهيوني في ضمان زيادة قوته البشرية العسكرية وهو تزايد الهجرة إليه التي تشكل الدماء التي تغذي شرايينه منذ اغتصابه فلسطين وإعلانه عن قيام الكيان الصهيوني، فالمشروع الصهيوني نفسه تتفاقم أزمته وبدأ يتآكل المبرر الذي روجه قادة الصهيونية في تجنيد اليهود لمصلحة الاستعمار حين زعموا بوجود كراهية متأصلة جينية لدى الأوروبيين في معاداة اليهود وكراهية وجودهم في أوروبا وهو ما أطلق عليه هرتزل اسم المشكلة أو المعضلة اليهودية وضرورة حلها بوطن قومي، فهذا الزعم الصهيوني لم يعد يلقى تجاوباً عند اليهود في بقية أنحاء العالم بعد الحداثة والليبرالية التي فرضت سلوكها وقوانينها في أوروبا والعالم وجعلت عدداً كبيراً من يهود الكيان الصهيوني يعودون إلى أوطانهم التي جيء بهم منها في بداية القرن الماضي، وهم يؤكدون بوساطة عودتهم هذه زيف الزعم بوجود مشكلة يهودية ومعاداة لليهود في العالم، فعدد اليهود الذين عادوا بهذا الشكل أصبح يزيد على مليونين بموجب أرقام وكالة الهجرة اليهودية والحركة الصهيونية خلال أربعة عقود مضت، معظمهم عادوا إلى أوروبا وآخرون إلى كندا وروسيا والولايات المتحدة، وأصبحت اللجان الصهيونية المتخصصة بتهجير اليهود في المقابل لا تجد إلا القليل جداً من المستعدين للهجرة إلى الكيان الصهيوني لأن الخوف على حياتهم وسلامتهم في ظل الوضع غير الآمن فيه لا تدفعهم إلى المخاطرة وهم يرون استمرار المقاومة داخل فلسطين المحتلة ومن جوارها في جبهة الشمال وفي جبهة قطاع غزة في الجنوب وسقوط الصواريخ على المستوطنات.
وتساهم تصريحات قادة الكيان العسكريين والسياسيين عن الأخطار التي يتعرض لها الكيان الصهيوني من صواريخ المقاومة، وعجزه الواضح عن منع سقوطها، في تردد اليهود بالهجرة، وتشكو وكالات تهجير اليهود أيضاً من تناقص عدد يهود العالم بسبب الزواج المختلط وخاصة في الولايات المتحدة الذي تؤدي نتائجه إلى تخلي الكثيرين عن الهوية اليهودية وعدم التجاوب مع الأفكار الصهيونية، فالأرقام الخاصة بهذا الموضوع تشير إلى وجود نسبة تزيد على 52% من اليهود الأمريكيين ممن تزوجوا من غير النساء اليهود ولا يكترثون بالهوية اليهودية بموجب ما نشرته المجلة اليهودية «جويش تيليغراف» في 1-10-2013 علماً أن عدد اليهود في الولايات المتحدة أصبح الآن سبعة ملايين تقريباً.
وفي النهاية من الطبيعي أن يؤدي استمرار عجز قادة الكيان عن مواجهة هذه التحديات الثلاثة والتخلص منها إلى تهديد مستقبل وجود هذا الكيان وسقوط المشروع الصهيوني في فلسطين والعالم العربي.
The post عتبات.. ثلاثة تحديات تهدد مستقبل وجود الكيان الصهيوني appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.