أيها الأعداء لستم أعداء..!؟

أيّها الأعداء لستم أعداء، في تنويعة نيتشية على مقولة لأرسطو: أيها الأصدقاء لستم أصدقاء، تنويعة افتتح بها «درِيدا» حديثاً قديماً عن تفكيك مفهوم الصداقة، وهو ما يخدم مرادنا في هذا المقال.. وسنبني على هذه العبارة ولكن سنمنحها من رحيق تجاربنا، حيث المفاهيم كالأشجار تُسقى بالتجارب أو تموت مع مرّ الزمن.
عند نيتشه ترقى المقولة إلى أنّ العدوّ الحقيقي هو من يستحقّ هذا المقام، بينما على الأغلب يعاني الفرسان من عدو يفرض عليهم معادلة صعبة: عدم تكافؤ المنازل, حين يلعب العدو على معادلة عدم تكافؤ المنازل تصبح الحرب قذرة، وهذه حقيقة لا يدركها إلاّ الفرسان، الفرسان فقط.
يمكنك أن تعد عدد أيام عمرك، ستجد عدد الأعداء يفوق يوميات العمر، ماذا لو واجهت هذا العدد من الأعداء؟.. لكن اطمئنّ هؤلاء ليسوا أعداء، ليسوا أعداء حقيقيين، إنما هم كائنات رثّة (minables) وضعها القدر في طريقك، وستجد أنّها في عمقها لا ترفضك وإنّما تشعر أمامك بالعجز، تتمثّل كل مضمونك لا تألو جهداً في ذلك، ربما بقدر العشق تعاديك، لكنه قد يكون عشقاً مرضياً ينقلب إلى عدوان، هؤلاء أعداء ينتجهم النجاح، هل هؤلاء يا ترى: أعداء؟.. هؤلاء مدعاة للشّفقة لكنهم يكلّفونك الكثير، وحتى تدرك هذه الحقيقة يكونون قد استنزفوك، إنهم أعداء ولكنهم أعداء غير حقيقيين، كائنات رثّة، بائسة، متعبة، مقرفة سمّها ما شئت ولكنها ليست عدواً حقيقياً.
والأعداء هم في المعنى الحقيقي لن يكونوا بعدد النمل، العدو الحقيقي هو بمعنى آخر نقيض وكفى، وتستطيع في معادلة الصراع أن تتكامل معه لصناعة التركيب الخلاّق للبدائل الفائقة. هذا العدو الكفؤ الذي يدخل معك في معركة على أرضية قوانين لعبة واضحة وأخلاقيات الفرسان يحوّل المعركة إلى وصلة جمالية راقية. لكن هل مع عدوّ رثّ تستطيع أن ترسم لوحة تكاملية في معادلة الصراع.. هل توجد إمكانية لقيام دياليكتيك بينك وبين عدو غير حقيقي؟.. إن كنت أدركت يوماً أنّ الصراع أساس تطور الحضارات فهو من النوع الثاني الذي يصنع التركيب الخلاّق بين نقيضين على أرضية قوانين مشتركة لتنظيم الصراع, يرقى العدو الحقيقي ويشمخ وأيضاً له حدود، غير أنّ العدو غير الحقيقي يتسافل وينحطّ ويتهاوى ولا تستطيع أن تنجز معه دورة متكاملة من التحدّي تعكس جمالية الحرب، لأنه ليس نقيضاً حيث لا يملك حدوداً.
تأمّل معركة تقوم بين فارسين ينتمي كلاهما للساموراي، أي معنى يا ترى لمعركة هي هارمونيا تنتهي بالتقدير وشكر الخصم الذي هو نقيض يتكامل في صناعة الدياليكتيك الكوني وليس طرفاً في خراب العمران، أي معنى لجمالية الفعل والحركة التكاملية التي تحوّل غريزة التدمير إلى دورة لجمالية التّحدّي.
في عالم تعددية الأعداء غير الحقيقيين ينحطّ معنى الوجود، لأنّ العدو غير الحقيقي كالصديق غير الحقيقي هو انقلاب في النظام الجمالي للوجود وهو انحطاط يستدرجك إلى العدم. سيلاحقك الفارس وسيحشرك في إحدى المتاهات، فماذا ستفعل إن لم تكن عدواً حقيقيّاً.. هل ستفعل مثل الساموراي الذي لا يهرب من معركة يؤمن بها أم ستفعل كالقردة التي رآها النّبيّ تنزوا على منبره؟
حين تكتشف أنّ عدوك فارس، فلن تكون الإهانة جزءاً من أدوات تلك الحرب، لا يمكنك أن تهين فارساً جعل الحرب معك حقيقية تبرز فيها جمالية الحرب وكمالها المنتج للتركيب، مهما تكن قادراً على ذلك، فالفروسية قيمة نادرة، وسوف تكتشف في نهاية المطاف أنّك لا تستطيع مواجهة فارس تشاركه القيم ذاتها، ولا أن تواجه عدواً غير حقيقي ينزل بك إلى الحضيض، ستكتشف أنه ليس لك حظّ في المواجهة، مع إنك ستنتظر دائماً اليوم الذي ستدعس فيه على أعداء غير حقيقيين كُثر، ستفعل وأنت مغمض العينين كما لو أنك تدعس على صراصير. ستقولون إنّ العالم مسرح للصراع، ولكنه صراع غير متكافئ، ووحدهم الفرسان الذين يشعرون بخيبة أمل في كل هذه الحروب.

*كاتب من المغرب

The post أيها الأعداء لستم أعداء..!؟ appeared first on صحيفة تشرين.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the أيها الأعداء لستم أعداء..!؟ on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.