كلما اشتدت الظروف وضاقت الدنيا، هجم العوام على المثقفين وحوّلوهم إلى مكسر عصا بذريعة أنهم لم يحلّوا مشكلات الفكر والتربية ولم يضعوا «البلوكات» القوية لعمارة التنوير!. مع أن حال المثقف في عصور الرخاء لا يختلف عن عصور «التعتير»، فهو على الأغلب يعيش في بيوت «التنك» ولا ينال من الجمل إلا الشتيمة, بينما البقية ينعمون بالغنيمة، ويستأثرون بالبقرة السمينة، من دون أن يقرؤوا المؤلفات التي تحذر من الملمّات، إلا بعد أن يطوي كتّابَها الممات، فيضعوهم حينها على المغتسل، ويدهنوا أفكارهم بمربى المشمش والعسل، ويذرفوا في رحيلهم دموع التماسيح من المُقل!.
شتيمة المثقف لازمة عند المتخلفين عن الركب، وقد اضطررنا إلى سوقها على هذا النحو من السجع، لأن البشر يقتنعون أكثر بحاسة السمع، خاصة عندما يكبر الوجع، فيصبح الصراخ أشد تعبيراً عن الـ«آخ»، مع أن «البعيق» في الوادي, وإن طال المدى، لا يعود على صاحبه إلا بالصدى، مثل الذي ينفخ في قربة ماء، أو يدهن رأس القرعة بالحناء!.
سئل أحد الحكماء عن علامات تطور المجتمعات، فقال اسألوا عن حال المثقفين فيها، فإن كانوا يموتون فجأة بالجلطات، ويقضون عمرهم بين القروض والجمعيات وفي بيوت العشوائيات، ويستدينون من أجل طباعة كتاب، أو تركيب شباك أو باب، أو كانوا يلهثون فلا يلحقون، ويبيعون الكلمة بأبخس الأسعار، من أجل لقمة العيش وتمضية النهار، أو كانوا يعانون الاضطهاد، ويلاحقهم أينما حلوا ظلم العباد، الذي يحوّل الضوء إلى سواد، وإن كانوا من دون حماية أو طبابة أو ضمان، إذا ما اشتدت الظروف وجار عليهم الزمان، فكانوا في المكان، مثل سجين في «مطربان».. إذا ما حدث كل هذا، ولم يسأل أحد من أين لك هذا، فالمجتمعات من دون شك تعيش بخير وثبات ونبات، و«يخلِّف» أبناؤها براحة بالٍ الصبيان والبنات.. وتلك علامات تطور المجتمعات.. أقول قولي هذا وأستغفر الله من الشكوى، لأنها أشد مضاضة من البلوى.. «حاسس حالي الجاحظ»!.
The post شتيمة المثقف! appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.