الدفاع المشروع عن النفس حقّ جوهري أقرته الشرائع السماوية والوضعية، وعدّته الأمم المتحدة حقاً مشروعاً من حقوق الدول والشعوب التي تتعرض للعدوان المسلح سواء أكان برياً أم بحرياً أم جوياً، وأعطى ميثاقها في مادته الحادية والخمسين استثناء من تحريم اللجوء إلى استخدام القوة بأن منح الدولة التي تتعرض للعدوان الحق في الرد والدفاع عن شعبها وأرضها ومقدراتها، شرط التوقف عن استخدام القوة فور تدخل مجلس الأمن الدولي الذي عليه أن يحدد الإجراءات اللازمة لحفظ الأمن والسلم الدوليين.
لكن الولايات المتحدة الأمريكية وحليفها الكيان الصهيوني قلبا الحق باطلاً وحوّلا الاستثناء المشروع إلى ذريعة للعدوان وانتهاك حقوق الدول وسيادتها واستهدافها وتصفية أفرادها بذريعة «الدفاع المشروع عن النفس».
فالكيان الصهيوني، ومنذ زرعه نباتاً سامّاً في منطقتنا، يشنّ العدوان تلو العدوان على الدول العربية بذريعة «الدفاع المشروع عن النفس ودرء التهديد الوشيك».
وهنا لابد من السؤال: هل قتل الفلسطينيين وتصفيتهم دفاع مشروع؟ وهل العدوان على الأراضي السورية واللبنانية وضرب المنشآت العسكرية والحيوية دفاع مشروع عن النفس وهل كل الحروب التي قام بها الكيان الصهيوني وكان البادئ بها تندرج تحت المادة الحادية والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة؟!.
إن عدد الخروقات والاعتداءات الصهيونية على جوار فلسطين المغتصبة من قبل هذا الكيان لا تعد ولا تحصى في صفحات قليلة، وسلسلة العدوان القريب والبعيد طويلة جداً وكلها كانت تسبقها ذريعة «الدفاع المشروع عن النفس» بمباركة وتسويغ أمريكي وبإذعان أوروبي ودولي جعل مجلس الأمن عاجزاً عن قول الحقيقة ووصف الأمور بأوصافها.
فيما مضى كان يقول قائل: إن الولايات المتحدة الأمريكية تحابي الكيان الصهيوني في عدوانه وتحاول تسويغ إجرامه وحمايته من المساءلات الدولية والأممية إلى أن جاء العام 2001 وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول في الولايات المتحدة فانقلب مفهوم الحماية والتسويغ إلى سياسة ممنهجة تتبعها الإدارات الأمريكية المتعاقبة ديدنها في ذلك «ذريعة الدفاع المشروع عن النفس».
لم يسمع أو يرى أحد في العالم أن دولة من الدول التي غزتها الولايات المتحدة الأمريكية على بعد آلاف الأميال قد قامت بعدوان مسلح على الأراضي الأمريكية أو أرسلت جنودها وطائراتها لاستهداف التراب الأمريكي حتى ترد عليها الولايات المتحدة باستخدام «حق الدفاع المشروع عن النفس» بل على العكس تماماً، الولايات المتحدة هي من أتت بأساطيلها وجنودها وحاملات طائراتها إلى هذه المنطقة أو تلك واحتلت أراضيها واستباحت سيادة دولها وبنت عليها قواعدها العسكرية وقتلت شعوبها ونهبت ثرواتها ومقدراتها. وهنا يسأل سائل أيضاً: هل غزو أفغانستان بعد أحداث الحادي عشر من أيلول وتدميرها وقتل الآلاف من شعبها ينطبق عليه ميثاق الأمم المتحدة ويندرج تحت بند «الدفاع عن النفس» كما يتبجح الساسة الأمريكيون؟ وهل غزو العراق أيضاً في العام 2003 وقتل مئات آلاف العراقيين يندرج أيضاً تحت هذا المسمى؟.
وهل غزو الأراضي في الجزيرة السورية وإقامة قاعدة عسكرية في منطقة التنف من دون موافقة الدولة السورية «دفاع عن النفس»؟ وهل السطو على حقول النفط السورية وسرقتها «دفاع عن النفس»؟!.
إن آخر ما تفتق عنه العقل الإجرامي الأمريكي في تسويغات «الدفاع عن النفس» هو اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الفريق قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، فكان «عذر» الإرهابي دونالد ترامب أقبح من جريمته النكراء. في المحصلة، يبدو أن الأمر وكأننا اليوم أمام عالم فخارّي تصوغه الغطرسة الأمريكية فتضع له القوانين والقرارات وتتلاعب بالمواثيق والأعراف والشرائع الدولية كما تشاء ظناً منها أنها قوية ومتجبرة لتفعل ما تريد ولكن القادم من الأيام سيثبت أن مصير المتكبر هو الانكسار والهزيمة، وستفهمها شعوب المنطقة كيفية الدفاع الحقيقي عن النفس وكيفية ردّ العدوان ودحره وستعيد الحق حقاً والباطل باطلاً، ولن يطول الزمن أكثر من أيام أو شهور.
The post عندما يصبح الحقّ باطلاً! appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.