وكأن الأزمات التي تهطل فوق روؤسنا لا تكفي وليس لها من نهاية.. حتى يخرج علينا الجراد من صحراء ما وقد تقوده الظروف المناخية إلينا أو لا تقوده.. لكننا بدأنا بالاستعداد والرصد كما نفعل دوماً..
بعض الأصوات «الفيسبوكية» بدأت بالتهويل والترهيب, وهي كالعادة تشبه نعيق البوم في الظلمة الكالحة, وكلما ازداد المرء جهلاً ازدادت مخاوفه, ونحن مازلنا هنا نتحدث عن احتمال غزو لأسراب الجراد, ولولا بيان وإعلان وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي عن تأمين أدوات المكافحة والمبيدات الخاصة بالجراد الصحراوي بما فيها عمليات الرصد والتحري تحسباً لأي ظهور لأسراب الجراد داخل سورية لما كنت أعطيت أذني للمزيد من نوبات الصرع والهلع التي تجتاح العالم .
ولأن الفضول محرك فعال بحثت عن معلومات عن هذه الحشرة لنعرف كيف نتّقيها لكن المفاجأة كانت في المعلومات التي حصلت عليها, حيث لم أستطع تمالك نفسي من الإعجاب بهذه الجرادة غير العاقلة التي أصلاً لا تمتلك جهازاً عصبياً, وإنما بعض العقد العصبية الأولية من حسن تنظيمها, فلا تكاد تخرج «قيد أنملة» عن السرب وتسير في تشكيلات تتألف من مقدمة وجناحين ومؤخرة وتقوم بالاستكشاف للبيئة وللحرارة.. لكن ما لم يرق لي هو نهمها وأكلها كميات كبيرة من المزروعات فقوتها وصبرها يشدان الانتباه, فهي تطير مسافات بعيدة وقد تقطع الجرادة الواحدة مئة كيلومتر في اليوم الواحد, ويحتوي السرب ملايين الجرادات ويقطع ثلاثمئة وخمسين كيلومتراً في الشهر, وذلك بما لديها من قدرة عضلية تمكنها من الرفرفة بالجناحين لمدة تصل إلى ست عشرة ساعة في اليوم لكن أمام كل هذه الصفات لديها بعض نقاط الضعف التي قد تفيدنا في مكافحتها فهي تحط ليلاً على النباتات وتجثم على الأشجار لتلتهم كميات من الغذاء تعينها على استئناف الرحلة في صبيحة اليوم التالي، وبذلك يكون أفضل وقت لمقاومة أسراب الجراد بعد الغروب كما يقول علماء علم الحشرات.
ربما علينا أن نتأمل في هذه الحشرة غير العاقلة والضعيفة كيف تشكل بتجمعها وتنظيمها ودقة حركتها قوة كبيرة تستنفر الدول والعالم.. وهناك من بيننا من يشكك بقدراته وقوته ويشعر باليأس والإحباط والملل, ونقول لمثل هذا: انظر إلى هذه الحشرة الصغيرة التي تمسكها بطرفي إصبعك, إذا كانت تستطيع أن تكون على هذه الحالة من التنظيم والقوة والصبر والحركة وقطع كل تلك المسافات من دون شكوى أو تذمر, فأنت أيضاً تستطيع.
The post حكايات الشارع .. الجرادة غير العاقلة appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.