لعلَّ ما يسرُّ الخاطر ويزيل بعضَ الصدأ المتراكم بفعل تتالي خيبات العقلاء، يلمعُ أحياناً على بعض الدروب المنسيّة، كما تبرقُ ومضةٌ شعرية معطّرةً بطيب بوح نرجسها وجدانَ شاعر مُلهَم أعيتهُ قافيةٌ حرون فامتنعت فلم يدرِ، أأشجاهُ وأغضبهُ امتناعُها، أم أسعدهُ وأسكن روعَه، (صنع الريحُ من الماء زردْ؟؟!!)، ولأنّ القائل شاعرٌ وأميرٌ فارس لم يكن هيناً عليه أن تُقفلَ القافيةُ في وجهه، إلى أن هوّنتها إحدى الشواعر الغرّد العُربِ، كانت وصويحباتها يملأن جرارهنّ من النبع عينه، فقالت: أيُّ درعٍ لقتالٍ لو جمد؟ وكان هذا الشطرُ مفتاحَ أقدارها ومهرَ تتويجها أميرةَ قصره؟
هذي الكلمات أسوقها مُذكّراً بقيمة أدبِنا وغناه، وجهلِ وفقر من يتجاهلُه فيهملهُ وينساه، وقد قادتني أقدارُ الأمس لأكونَ مُحكّماً ممثلاً لاتحاد الكتّاب، ومعي ممثلون للقطاع التربوي في اللاذقية من أكفياء أهل الأدب واللغة، والمهمةُ كانت تحكيمَ مباراةٍ شعرية لباقةٍ منتقاة من براعمَ فتيّةٍ نقية، من مرحلتي الأساسي والثانوي، برابطة الشهيد سميع كوسا، بدأت المباراة بشروطها الموضوعية وكنّا في اللجنة المتماهية المتسقة بأرضى التنسيق، حريصين على التهيئة النفسية الواعية للمتسابقين بغيةَ وضعهم في جوٍّ أسرويٍّ دافئٍ مطمئن، صرنا نحن جزءاً منه جزءاً أشبهَ بالأبوي..
أسعدتني تلك اللغةُ الفصيحة التي خرجت كدررٍ منضودةٍ من على لسان أبناء الخمسةَ عشرَ ربيعاً، أو ينوف، لغةٌ سليمة وأبياتٌ صعبةٌ ذات معانٍ جليلةٍ لكبار أهل الحكمة والأدب كانت تنسابُ كجداول التبر على ألسنة أبناء وبنات الجيل بجيناتِه اليعربيةِ الأوغاريتية العصيّةِ على الرضوخ لأبواق الحسّدِ الطامعين الأفّاقين، ولم أدرِ أيُّ الشعورين كان أقوى، سعادتنا بهم أم إدهاشُ المفاجأة؟!، إذْ إنَّ ما حصل من تسارع في المتغيرات، وانقلابٍ في المفاهيم الذوقية والقيميّة على مستوى العالم جعلنا نظنُّ أنَّ لغتنا وآدابها وكنوزَ الحِكمة الكامنة فيها قد صارت جميعاً في طيِّ الماضي المهمَل المنسي، كُلُّ ذلك الوهم تبخّر بفعلِ قوة الوعي الحيّ لأبناء وطني سورية وكان يكفي ذلك المؤشرُ لتأكيد أنّ الجيل بخير، وهذا أحد أهم مفاتيح التفاؤل بالمستقبل المشرق، فشدّة الحلكة نقابلها بقول أهلِ الحكمة الأصدق: (اشتدّي أزمةً تنفرجي).
The post صنع الريحُ من الماءِ زرَدْ appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.