بين السطور.. انسحابات أمريكا المدروسة

الناظر إلى الخريطة العالمية يدرك أننا في مرحلة حرجة وانتقالية تزداد فيها الفوضى وتغيب عنها الرؤى المستقبلية الواضحة بينما القيم العالمية تكاد تصبح عرضة للاندثار، والديمقراطية الصالحة المثالية باتت محاصرة، ولاسيما أن سهاماً أكثر صوبت إلى سويداء قلب ما يسمى «المشروع الديمقراطي» في الغرب الأوروبي والأمريكي على حد سواء.. قد يظن البعض للوهلة الأولى أن هذا الكلام سفسطائي، ولكن عندما يكون هذا الإطراء الخطير لريتشارد هاس منظر السياسات الخارجية الأمريكية ومهندس قواعدها يكون للكلام طعم آخر.. الرجل لم يكتف بالإشارة لجنوح السياسات الأمريكية بل حذر ساسة بلاده مطالباً بحوار بناء وخلاق مع الأمم الأخرى ولاسيما أن مفهوم القوة المجردة قد أثبت فشله فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تظل القطب القوي الأكبر حول العالم حتى الساعة وإن تضاءلت مسافات التنافس مع الآخرين، فإنها لا تستطيع أن تنشر السلام والرفاه وتحصد الفائدة وتحقق مصالحها الخاصة بمفردها بمعزل عن مصالح الآخرين من حلفاء ومحايدين وأعداء، بل إنها سوف تحتاج حكماً إلى أطراف مشاركين وفاعلين ومتساوين وإلا السقوط قادم على حد تعبير هاس بعد انسحاب الإدارة الأمريكية من اتفاقيتين دوليتين هما محكمة العدل الدولية والبروتوكول الاختياري بشأن حل النزاعات الذي يحدد العلاقات الدبلوماسية بين الدول.. هذه الانسحابات المدروسة والمخططة والمنظمة من اتفاقيات متعددة الأطراف، تؤشر إلى نية واشنطن المبيتة النأي بنفسها بعيداً عن المساءلة والملاحقة والمعاقبة الدولية ويضع أمريكا الدولة التي تدعي أنها «شرطي» العالم، وحامي القانون الدولي الإنساني في مصاف الدول المتمردة على القانون الدولي «وهي كذلك» ويزيد من عزلتها عن دول العالم الأخرى.. بل يجردها من مسؤولياتها العالمية المتعددة، كعضو دائم وتمتلك حق النقض الفيتو، والتبرؤ من الالتزامات القانونية، والاتفاقيات الدولية بحثاً عن مكان يضعها فوق القانون، حيث تفعل كل ما تشاء وترغب من دون تمكن أي جهة من الإمساك بطرفها..
الانسحابات المتتالية لواشنطن من الالتزامات والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، التي تنظم تعامل الدول فيما بينها وتحكم إيقاع العلاقات بين دول وشعوب العالم تحت شماعات مالية وأخرى تتعلق بالرغبة في التحلل من الانضباط والتقيد بالقوانين والأحكام التي تفرضها تلك الالتزامات يعني الانتقال إلى حالة من الفوضى الشاملة، وإطلاقاً لذاتها المتمردة المتسلطة بممارسة سلوك يتعارض ويتناقض مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والتمرد على منظومة وقواعد العلاقات الدولية برمتها، وهذا حكماً يشرع الأبواب أمام دول معتدية.
بصراحة.. واشنطن تعارض أي وجود للقانون الدولي، أو الاحتكام إلى أي نظام كوني ملزم بقواعد سلوكية عامة، بل تريد أن تشرع أسساً فوضوية، على مبدأ «الفوضى الخلاقة» لأنها لا تعيش إلا بالفوضى والسيطرة و«السلبطة» على الدول والشعوب.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the بين السطور.. انسحابات أمريكا المدروسة on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.