حاصل على درجة الدكتوراه في الصحافة من جامعة بيلاروسيا، وحين عاد إلى بلده لم يجد عملاً لما يقارب السنتين، فعاد أدراجه إلى بيلاروسيا مرة ثانية، درس الإخراج السينمائي وأخرج ثلاثة أفلام،أحدها كان مشروع تخرجه، كما أنه أبدع في مجال الرسم الكاريكاتوري وكانت رسوماته تنشر في مجلة «فوجيك» البيلاروسيّة الساخرة وغيرها من الصحف البيلاروسية، وبين الإخراج والرسم والكتابة لمع نجم ممدوح حمادة في سماء السوريين كمؤلف وسيناريست مبدع بكتابة الكوميديا التراجيدية التي تلامس أوجاع الناس البسطاء بالتهكم، و«تطبطب» على همومهم بالضحكة، وتمسح دموعهم بالبسمة.
ممدوح حمادة ارتبط اسمه بجدارية الدراما السورية، وأصبح من دون أدنى شك، أحد أهم رافعي أعمدتها، فالنص الجيد والحبكة الذكية أصبحا أهم أساسات البناء الدرامي الناجح والمؤثر، فكيف به إن كان كوميدياً! بين التهريج والكوميديا خيط رفيع وحاد، وهو القادر على الحكم على عمل بالاندثار والأفول، وعلى آخر بالنجاح والأبدية، وهو خيط أتقنه قلة قليلة من الأدباء، ومنهم السيناريست ممدوح حمادة الذي كان لـ «تشرين» معه هذا الحوار:
• هل تخلى ممدوح حمادة عن الإخراج والرسم الكاريكاتوري لمصلحة الكتابة؟
•• بالنسبة للإخراج أنا مستمر في هذا المجال بقدر ما تسمح به إمكاناتي، لأنني عملياً أنتج أفلامي بنفسي، ولذلك لا بد من الانتظار فترة كافية لترميم الخسائر، وكان آخر ما أخرجته فيلماً قصيراً بعنوان «ثمانون عاماً في الجحيم» ومدته عشرون دقيقة.
كما أني لم أتخل عن الرسم لصالح الكتابة فأنا أكتب قبل أن أرسم، وحين كنت أمارس الرسم لم أكن متوقفاً عن الكتابة، فلست قدراً يتسع ملفوفة واحدة، الخيال عالم واسع والكون فسيح يتسع لكل ما يخطر فيه، توقفت عن الرسم لسبب أساس هو أن الكاريكاتير فن صحفي، وإذا لم يكن هناك منبر فمن غير المجدي ممارسته، وأنا لم يتسن لي ذلك فتوقفت وهو في كل الأحوال لم يكن بديلاً عن الكتابة.
• تعرض «الواق واق» لانتقادات كبيرة.. لماذا يظهر هناك نوع من التباين في المستوى بين «ضيعة ضايعة» و«الواق واق»، رغم أن العملين يشتركان بالكاتب والمخرج وعدد من الممثلين؟
•• المقارنة بين العملين غير واردة أصلاً، فهما ينتميان إلى نوعين مختلفين، وأنا لا أرى «الواق واق» أقل مستوى من «ضيعة ضايعة»، ربما لم يصل إلى الجميع ولكن ليس مطلوباً مني أن أكون أسيراً لـ«ضيعة ضايعة»، أنا أحمل مشروعاً أعتقد أنني أغني به الدراما السورية، أو هكذا أريد منه على الأقل، وفي حال حصلت كبوة هنا أو هناك فهذا لا يعني نهاية الكون، «الواق واق» كما وجهت إليه انتقادات، تلقاه جزء ليس قليلاً بشكل جيد، وأعتقد أن العمل سيأخذ حقه لاحقاً.
• هل يمكن القول: إن «الواق واق» كان ضمن فئة دراما (الفكرة) لذلك لم يحقق النجاح الذي حققه «ضيعة ضايعة»؟
•• لا أعرف ما هو المقصود بدراما الفكرة! لم أسمع بهذا المصطلح من قبل لكي أتمكن من الإجابة بشكل واضح، ففي كل الأعمال توجد فكرة، ما هو المقصود بدراما الفكرة تماماً؟
• المقصود بدراما الفكرة الدراما غير الواقعية والمبنية على أساس طرح قضية إشكالية ومعالجتها..
•• ربما يكون ذلك سبباً إذا كانت الفكرة معقدة، وهذه نقطة ليست لمصلحتها بطبيعة الحال، ولا أريد أن أتحدث عن موضوع النجاح والفشل، أنا لا أعتقد أن العمل لم ينجح، هو لم يحقق الجماهيرية التي حققتها أعمال سابقة لكن هذا ليس المعيار الوحيد للنجاح، لذلك لا أستطيع الحديث عن هذا الموضوع الآن.
• ماالشخصية في العمل الدرامي، وما مكوناتها؟ هل هي الطربوش والشروال؟ أم الشاربان الطويلان، أم طريقة المشي أم طريقة الكلام؟ أم حتى الاسم واللقب؟
•• الحقيقة، إن الشخصية ليست كل تلك الأشياء، فكل ما ذكرناه يدخل ضمن إطار «عمل الممثل على الشخصية» أو «عمل مصمم الملابس على الشخصية» أو «عمل الماكيير على الشخصية»، العمل وليس اختراع الشخصية، فعندما تبدأ مهمة هؤلاء الشركاء في العمل تكون الشخصية جاهزة قد ابتكرها كائن يطلق عليه (المؤلف)، فالمؤلف هو الشخص الوحيد المنوط به الابتكار في العمل ومن ثم يأتي دور الشركاء الآخرين ليقوموا بإكساء هذه الشخصية شكلاً عبر اللباس والمكياج وغير ذلك، ومضموناً عبر المخرج والممثل، ولكن كل ذلك يحدث مع الشخصية التي قد تم ابتكارها من قبل المؤلف مهما كانت هذه الشخصية هزيلة، فالمكون الأساس للشخصية هو مجمل سلوكها على امتداد العمل، أما الحركة والشكل والتفاصيل الأخرى فهي أشياء تبنى على هذا السلوك، وأذكر تفصيلاً من مسلسل الخربة كان متعلقاً بشخصية سمعان حيث حدث نقاش بيني وبين الصديق «حكمت داوود» مصمم الملابس في العمل حول خيارين من لباس الشخصية، أحدهما يحتوي على أسمال كثيرة يضعها سمعان على نفسه، وآخر يحتوي على قطع قليلة من اللباس، وقد اخترنا الثاني لأن سمعان البخيل لا يستطيع تحمل البذخ حتى بالأسمال البالية، ولدي مثال معاكس لذلك من بقعة ضوء، ومن دون ذكر أسماء، حيث قام الممثل بتقمص شخصية ما يسمى عندنا بالـ (طانت) بينما شخصية بطل اللوحة بخيلة وموضوع اللوحة البخل ما حرف الأنظار عن الموضوع وجعل المفارقة غير مفهومة، نعم لقد برع الممثل بأداء شخصية الـ (طانت) ولكنه أعدم اللوحة، لأنه قتل شخصية المؤلف، وهنا يمكنني القول: إن الممثل اخترع الشخصية ولكن هل يمكنني أن أقول له أحسنت؟!
بكلام آخر، فإن عمل جميع الأطراف يبنى على عمل المؤلف حصراً، والحديث عن أن الممثل يخترع الشخصية حديث مضلل نابع من أحد أمرين لا ثالث لهما، إما انعدام الضمير المهني وربما غيره والطمع بسرقة جهد الآخرين، أو الجهل المطبق، فأين كانت الشخصية عندما كلف الجميع بمباشرة العمل؟ إذا لم يكن لها وجود في النص وتمت إضافتها مثلاً من ممثل فهو هنا قام بعملية التأليف ولم يخترع الشخصية كممثل، هذا مثال نادر الحدوث ولكنه في غالب الأحيان إن حدث فإن المهمة تناط بالمؤلف.
• تصنف أعمالك بأنها أعمال بيئة، وربما هذا سر تميزها ونجاحها، هل أنت مع هذا التصنيف؟ وما العمل البيئي وما مواصفاته؟
•• يحدث في الكثير من الأحيان خلط، منبعه جهل المتحدث بالتصنيفات التي يمكن الاعتماد عليها من أجل إطلاق صفة العمل البيئي على هذا العمل أو ذاك، العمل الذي يمكن أن نطلق عليه صفة العمل البيئي في الدراما هو الذي يستقي أحداثه بشكل مباشر وحصري من بيئة محددة، وهذه الأحداث لا يمكن أن تجري في بيئات أخرى، وتكون البيئة فيه بطلاً أساسياً من أبطال العمل، أما اللغة أو اللهجة واللباس وغير ذلك من التفاصيل فهي تلوينات تستدعيها الضرورة لا أكثر ولا تكفي لجعلنا نقول: إن هذا العمل بيئي أو غير بيئي.
يتابع: يصر بعضهم على إطلاق صفة العمل البيئي على مسلسلي «ضيعة ضايعة» و«الخربة»، لأن «ضيعة ضايعة» هو عمل ينتمي للبيئة الساحلية والخربة عمل ينتمي إلى بيئة السويداء.
• وهل هذا صحيح؟
•• بالطبع لا.
• لماذا؟
•• أولا لأن أحداث العملين يمكن أن تحدث في أي مكان آخر ولا يرتبط عمل «ضيعة ضايعة» بالبيئة الساحلية إلا من حيث المكان الذي اختير لتنفيذ العمل، ولو اختير مكان آخر لما تغير شيء في السيناريو سوى بعض التفاصيل غير المهمة، وأصلاً لا توجد قرية في الساحل تشبه حياتها حياة سكان «أم الطنافس»، وثانياً لأن الكثير من الحلقات المقدمة في «ضيعة ضايعة» كتبت على شكل قصص بالفصحى قبل أن تتحول إلى دراما، وبعضها كتب بعد ذلك ولم تتأثر بموضوع البيئة إطلاقاً، وثالثاً لأن قصصاً كثيرة في العمل مقتبسة من بيئات أخرى، فمثلاً حلقة الحمير مقتبسة من بيئة المنطقة المحاذية للحدود اللبنانية في جبل الشيخ، حيث كان التهريب ينشط بشكل كبير وكانت الحيوانات تستخدم فيه بشكل كثيف، والقصة نفسها موجودة في مجموعتي (أم الطنافس) تحت عنوان (الحمار الثامن)، وتحدث في بيئة أخرى، وكما رأينا فإنها قدمت في «أم الطنافس» من دون أن يلحظ أحد أنها من بيئة أخرى (جبل الشيخ)، ذلك لأن بيئة هذه القصة لا ترتبط بمكان وإنما ترتبط بطبيعة نشاط وسلوك وهو (التهريب)، وهي تصلح لتقدم في المكسيك كما في افريقيا وفي أي مكان ينشط فيه التهريب الحدودي، ويمكن القياس على هذا المثال في أكثر من حلقة مثل (سقوط أم الطنافس) و(أم الطنافس التحتا) وغيرها، وهنا أريد أن أورد على سبيل المثال قصة كانت من ضمن قصص «ضيعة ضايعة» قبل أن يتم اعتماد العمل، عندما كانت قصصه بعد على شكل لوحات قدم بعضها في بقعة ضوء وأعمال أخرى، هذه اللوحة بعنوان (البقرة) أيضاً قدمت في عمل أردني اسمه (شو هالحكي)، وتم استبدال اسمي أسعد وجودي باسمين آخرين ولم يحدث أي تأثير في موضوع البيئة.
يردف حمادة: «إن عملاً مثل (بطل من هذا الزمان) يمكن أن نقول عنه إنه عمل بيئي لأنه يعتمد في أحداثه على البيئة السورية، ويأخذ مادة لحدثه حياة الموظف السوري حصراً، وبالتالي فإذا أردنا تقديمه في بلد آخر فإنه سيفشل في نقل ما نريد قوله عبر الأدوات نفسها، ولكن «ضيعة ضايعة» يمكن تقديمه في أماكن أخرى، وقد عرض علي أن أعيد كتابة حلقاته في بيئات أخرى لكنني اعتذرت لأنني أفضل أن أقدم جديداً.
•كيف لم تؤثر غربة ممدوح حمادة عن وطنه في قدرته على ملامسة أوجاع الشعب السوري وإسقاطها على كتاباته؟
•• وجع الإنسان السوري وجع إنساني ولا يحتاج للتفاعل معه مني كسوري أن أكون موجوداً في المكان، وكل ما طرحته في أعمالي عن سورية يحمل طبيعة إنسانية، أما بالنسبة للتفاصيل الدقيقة فبالتأكيد أنا لا أعلم الغيب، لكنني عشت في ظروف مشابهة، كنت نازحاً وأنا طفل وأعرف ماذا يعني ذلك، وكنت جندياً في أكثر من حرب، ومطّلع على قصص الكثير من الحروب إضافة لما يصلني عبر الميديا والرسائل الخاصة وغير ذلك، من كل هذه الخيوط أحيك هذا الثوب، بكل بساطة.
Posted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.