أكيد سمعتم بالمثل القائل «عم يشهق ما عم يلحق»، أما الآن فمعظمكم بات يعيشه بالألوان، ولاسيما في هذا الشهر «السئيل»، فما إن تلتقط أنفاسك من عشوائية الصيف، وما يرافقه من سهر و«كيف» ومسابح و«نقّ» متواصل من قبل أبنائك، وإلحاح وإصرار زوجتك على «مشاوير» لا تستطيع تحمل تكاليفها، حتى يأتيك «فصل السّيف» في معارضة هجائية للرومانسيين المرتاحين مادياً، والمُتغزِّلين بورقه الأصفر ونسماته العذبة، بينما بات الكثيرون يشعرون بأن حالهم يشبه حال «فأر كافكا»، ذاك الذي ضاق به العالم الواسع، فلم يعد يرى منه سوى جدران الحجرة الضيقة التي انتهى إليها، والمصيدة في الزاوية، وعندما روى قصّته لـ«القط» في ذاك المكان، نصحه الأخير بأن ما عليه سوى تغيير اتجاهه، ثم قام بالتهامه بلقمة واحدة.
نعم، بات أغلبنا محاصرين بأعباء المدارس، والمونة، والتدفئة، التي تُضاف إلى تكاليف المعيشة الصعبة أساساً، ثم يأتيك جشع التجار لينصحوك بأن تغير اتجاهك، وكلُّنا يعلم أن أكثر من ضربة على الرأس توجع كثيراً، فما رأيكم بمن استطاع، بحنكة فائقة، تفادي ضربات الشمس في انتظار السرافيس والسَّعي وراء اللقمة، أن يسقط صريعاً بسبب «المكدوس» مثلاً، أليس قمّة السخرية؟ أو أن تكون الضربة القاضية التي وقع فيها هي بضعة ليترات من مازوت التدفئة، أو قسط روضة، أو «كدسة» كتب مدرسية… إنه العبث في حدِّ ذاته.
مثلنا ينبغي أن تُصنَع لهم تماثيل، خاصةً أننا وقعنا في المصيدة، والتهمنا القطّ «الدَّاشر»، وما زلنا حتى اللحظة بكامل حيويتنا، نتلقى السيف وراء السيف، ومع ذلك نمضي إلى غاياتنا غير عابئين بأي منطق يفترض موتنا، أو على الأقل استسلامنا، بل على العكس تماماً، بتنا نسخر من كل السيوف، ومن أحوالنا التي تبكي الصخر، لدرجة أننا قد نتغزل بالمكدوس وبدبس الفليفلة، وبعضنا قد يصبح مثل فيلسوف النار «غاستون باشلار» مع أول «تشعيل» للمدفأة، بينما بعضنا الآخر قد يصنع من رسمة ابنته في الروضة تميمةً تقيه الصيف والسيف وغدرات الزمن…
The post فأر كافكا السوري appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.