للكاتب الروسي بوريس باسترناك نصٌ رائعٌ يلخص فيه ما تمكن تسميته «مشكلاتنا» ومنه نقتبس، وبعد ذلك نقارن، يقول الكاتب: «صحتك تتأثر إذا اضطررت يوماً بعد يوم أن تقول عكس ما تحسّ، أن تنحني أمام ما تكره، أن تفرح بما لا يجلب لك إلا الشؤم، جهازنا العصبي ليس خُرافة، إنه جزء من جسدنا، وروحنا توجد في مكان ما داخلنا، كالأسنان في فمنا، لا يمكن التعدي عليها باستمرار من دون عقاب» انتهى الاقتباس.
أشياء كثيرة في حياتنا نقول بخصوصها بعكس ما تكون أو نرى وقد اعتدنا على ذلك – على ما يبدو-(ببغاوياً، أو مجاملة، أو خوفاً) في تكرار لمفردات صالحة لكل زمان ومكان، قد يسألك ابنك كيفك بابا..؟ فتقول تمام .. ماشي الحال مع أنك لست بتمام، و«غير ماشي حالك» بأي «شي»، أو كما يقال حالك «تجبيص وتمريق وقت».
تسمع بعض الكلام الحكومي الوردي والمطمئن بخصوص الخدمات، يطلب إليك أن تعكس هذا وأن تقنع الآخرين به، والمفارقة أنك عندما تذهب إلى البيت لا تجد أياً من الذي تعمل لإقناع الآخرين به!.
الكهرباء كما يقال عادت إلى عادتها القديمة المزمنة، التقنين مع أول زخة مطر ومع لسعات البرد الخفيفة تتذكر حديث المسؤولين عن حقول النفط في ثلاث محافظات، وأنت منذ أكثر من شهر ومع سلسلة اتصالات لم يصلك 100 ليتر مازوت..
تقابل مسؤولاً في مؤسسة كبيرة، يصدع رأسك بخطاب «عرمرمي»، لا تملك أمامه إلا الوقوف باستعداد، لكنك في قرارة نفسك تعرف أنه لا يتكلم الحقيقة، تطرح عليه وجع آلاف الناس، فيعيد عليك الخطاب نفسه، ولولا الحياء لكان اتهمك باتهامات عديدة، تخرج موقناً أن حدسك لم يخطىء يوماً، في هذه المؤسسة المنهكة تهرب إلى الأمام وترمي مشكلتها في مرمى الآخرين، وتعلق على مشجب الحرب..
أوهام كثيرة صدعنا رؤوسنا بها، ونحن نحس عكسها تماماً.
كم من المرات التي اكتشفنا أننا اشترينا وهماً؟..
مازوت، كهرباء، ورواتب إنه الظلم بعينه، حيث ثمة فجوة عميقة بين ما يصلنا وبين المطلوب لكي نبقى بشكل لائق على قيد الكتابة، من دون أن نعاقب أنفسنا.
The post «وهم» appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.