نهرب إلى اللغة، إلى علامات الضمّ بعد أن سادت إشارات النصب.. إلى حروف العطف عوضاً عن الجرّ.. نهرب إلى كاف التشبيه كي نخترع عالماً مؤكداً بإنّ، لكننا نصطدم غالباً بـ لكنَّ.. نستحضر سوف وسين المستقبل قبل الفعل المضارع، فتسارعُ لم الجازمة كي تضع سكوناً آخر الكلمة، فتحذف الياء من الفعل ثم تضع مكانها كسرة.. نقول حسناً، سنذهب إلى المستثنى بإلاّ كي نراهن على شيء من الخيال، فتسارع أداة الحصر كي تسد الأفق وتخنق الخيارات.. نعود للمعجم كي نستنجد بالفعل الصحيح، فينطّ مباشرة الفعل الناقص وتصطف كان مع أخواتها لإلغاء الفاعل وجعله اسماً ملحقاً فقط.. نقول في أنفسنا، إن لام التعريف من شأنها حل المشكلة، فتجلس مكانها أل الزائدة التي لا تنفع ولا تضر!.
نهرب إلى اللغة، فننادي الاسم المشتق كي يحرك مع عائلته الجو، فيسارع الاسم الجامد ليقول إنني هنا لا قبلي ولا بعدي.. نبدل القاعدة ونشاء أن نحتفي بالمبتدأ في أول الجملة، فيسارع الخبر إلى الاستعانة بالهاء كي يتقدم وجوباً فيأتي بخبرنا قبل أن نبدأ الكلام!. نقول حسناً، سنذهب إلى الأوزان التي لا جمرك عليها، فنتغنى بفعولن مفاعلن وفاعلاتن فاعلن، فيهرعون إلى الزحافات والجوازات والترقيعات كي ينزعوا القاعدة بالشواذ ويصبح الكلام العادي مثل الغناء.. نهدىء أعصابنا بالحوقلة، ونبدأ من جديد بالبسملة، فنكتب أدوات التوكيد كي تتضح الرؤية، فتقفز أدوات التمنّي كي تشكك بالموضوع وتعيدنا إلى مربع ليتَ وعسى ولعلَّ.. نقول بأهمية الجملة الفعلية، فيفضلون الجملة الاسمية بذريعة أنها حاذقة ومختصرة وذكية..
نهرب إلى اللغة، إلى الفاعل لأنه الأساس، فيقلبون الطاولة ويضعون المفعول به في الواجهة، بذريعة أنه صاحب الفضل في إعطاء الفاعل ميزة الفعل، ويخترعون فعلاً مبنياً للمجهول كي يكتمل التزوير، ثم يعينون نائباً للفاعل كي تضيع الطاسة ونبدأ بالهروب من اللغة عوضاً من الهروب إليها… «عرفتوا كيف»؟.
The post «حزيرات» لغوية! appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.